يوسف الكويليت

مراقبُ الأحداث العربية لا يجد ما يتفاءل به سواء فيما سمي الربيع، والذي أنتج الفوضى الطويلة أو دول غنية جداً مثل الجزائر والسودان والعراق، وما عدا دول الخليج التي تتمتع باستقرار سياسي ومادي، فإن الزوابع تحيط كلّ الداخل العربي، ما أثار جدلية عدم نجاح نظام ديمقراطي يبدأ بشراكة وطنية تشمل أطياف المجتمع المنقسمة على بعضها، والتي حوّلت الاتهام إلى إدانة وعمالة، وصار كرسي السلطة لا يختلف بمن أُطيح بهم بثورات وطنية حقيقية، استغلتها بعدهم القوى الأكثر تنظيماً وتحتكرها باسم وصولها إلى الحكم باقتراع حر، وهذا صحيح ومقبول لو كانت حكوماتٍ لا تحصر نفسها في حزب، وإنما تمثل كلّ الشعب بفئاته المختلفة..

بلا شك فإن الواقع الجديد خلق تيارات مواجهة لا تقل عن تلك التي أسقطت الحكومات الدكتاتورية، وما يضاعف الأزمات هو تدني الاقتصاد إلى حدود الصفر، وانفلات إعلام مسيّس ذهب إلى مكاسب ذاتية قد تمزق القاعدة الاجتماعية بكثرة تلفيق المعلومات، وأمام أمية أكثرية تنازعتها الشكوك، وعدم الثقة بأي طرف، والسعي للحصول على متطلبات الأمن والغذاء والأساسيات الأخرى من وقود ومياه، ونظافة إلى آخر السلسلة التي فجرتها الثورات، ومع ذلك نجد بالمقابل من يعزو ذلك لأموال الحكومات السابقة، وعملائها، ومن كانوا على تحالف معها من دول خارجية في إسقاط هذه الأنظمة..

التطرف وجد قبل هذه الثورات، فقد عرفنا من يكفّرون، ومن يفتون بالقتل، مقابل من تسبب في إنتاجهم بخيار العقوبات والسجون بدلاً من الحوار لكن الثورات فجرت ما هو أخطر في بروز الطائفية، والانغلاق الفكري للبعض، والدعوة للخلافة الإسلامية لتعارضها مع علمانية ودساتير وقوانين الدول الخارجية، وكلّ يطرح الحلول من جانب مصلحة حزبه ومنظمته، لكن الشارع خرج من أحزمة أصحاب الأفكار والوصايا، إلى إسقاط الحكومات الجديدة، وهو حدثٌ عاكسَ التصورات والآمال التي جعلت تلك الثورات احتفالاً أسطورياً بانتصارها على الأنظمة التعسفية، وهذا الاتجاه الجديد، لم يولد صدفة، وإنما من خلال تجربة السنتين الماضيتين التي حوّلت تلك الدول من شبه استقرار مالي وسياسي، إلى حراك سلبي لا يدري كيف يتجه ويحسم أموره بتلاقي الأضداد، والإجماع على وحدة وطنية تحمي شعارات الثورات التي انطلقت بالآمال، ولكنها لم تحدد أهدافها، وهذا لا يعني سلامة النظم السابقة، لأنها السبب في إفراز ما حدث من زلازل قوضت سلوكها، وهدمت حائط الخوف منها ومن عيونها السرية وبطش عساكرها..

الخطورة لا تأتي من خلاف القيادات، لكنْ جرّ الشارع إلى مرحلة اليأس عندما تشح متطلبات حياته اليومية، وتتحول القضية من ثورات سياسية إلى ثورات جياع، تغذيها سطوة إعلام يسعى لتأزيم الأوضاع وتفجيرها، ثم تنفلت الأمور إلى شلل تام بضبط الأمن من قبل عناصر الشرطة إذا ما واجهت الشعب كله، وهذه الأمور لا تغيب عن المراقب الخارجي للدول ذات المصالح بالمنطقة العربية، فهي مع الفوضى، وضد الديمقراطية، وتجد النهاية، حسب رؤيتها، أن الأمور ستنتهي بحسم عسكري يعيد دولاب الحكومات السابقة ولكن بتحسينات بسيطة، ومكاييج خادعة، لكنها تخدم، بالتالي مصالحها..