تركي الدخيل

ما أسرع التصديق لأي تهمة تحمّل للكتاب. أحد الروائيين السعوديين الكبار في السعودية تم تكفيره. فقط لأن شاباً متحمّساً انتقى مجموعة من العبارات من ثلاثيته ليتم تكفيره عليها، وإخراجه من ربقة دين عظيم، أُسُهُ الرحمة، وفضاؤه الهداية!

الفراغ الذي يعاني منه المتحمس كفيل بأن يحول حياة الآخرين إلى جحيم. وليست المشكلة فقط في التكفير بل فيما يترتب عليه، هناك من هو على استعدادٍ لقتل أي كاتب أو مفكر أو روائي يختلف معه! بل وهناك من سيبني على التكفير بطلان الزواج، ومن سيعتبر أبناء هذا الكاتب أو ذاك أبناء كافرٍ ملحد زنديق، وربما اعتبرهم أبناء زنى فهم ازدادوا على ابيهم بعد أن كفر وبطل نكاحه، وهكذا سلسلة من الأحداث تتوالى بسبب حكم تكفير من داعية أو واعظ!

الروائي المصري يوسف زيدان هو الآخر وقع ضحية التكفير والتحميل للنص ما لا يحتمل. قبل أيام أصدر اتحاد كتاب مصر، بياناً أكد فيه استياءه الشديد من ملاحقة أعضائه من الأدباء والمفكرين، بما في ذلك فتح التحقيق في التهمة الموجهة للكاتب والروائي يوسف زيدان، والتي يعود تقديمها إلى ما قبل ثورة 25 يناير. يعلق زيدان على التهم المنسوبة إليه قائلاً:raquo;هذا ثمن يدفعه من يفكر في بلادنا، فهناك استهداف الآن لكل صوت يختلف مع النظام الحاكم. سعي التيارات الإسلامية للانفراد بالسلطة يقف وراء تحريك العديدِ من الدعوى القضائية ضد من يختلفون معهم استهداف أي شخص ليس المشكلة الحقيقة ولكن المشكلة في استهداف العقلraquo;!

الاغتيال للمفكر معنوياً يقصد به استهداف الفكر بأكمله، إنهم يريدون laquo;اغتيال العقلraquo; كما يقول برهان غليون، بل هو شكل من أشكال التفكير ضد التفكير أو استخدام العقل ضد العقل. حين تغلب ثقافة laquo;العضلraquo; على ثقافة العقل! يحصل ما وصفه إبراهيم البليهي بالتقهقر! التقهقر في شتى المجالات الفكرية والروائية والعلمية.

تقاس الأمم بمستوى احترامها لمفكريها. أن يُنَحّى أديب، أو يقصى روائي، أو يُكَفّر مُفَكّر هنا تحدث حالات التراجع والانهيار الثقافي والحضاري.

بآخر السطر، فإن المفكرين هم شعلات المجتمع، وحين نطفئ هذه الشموع إنما ننتحر ثقافياً وفكرياً. والمشكلة أن كل المتحمسين تسيطر عليهم الذهنيات المنغلقة حيث يقادون إلى الإضرار بالآخرين من دون وعي، وهم في حالة تنويم مغناطيسي يجرون وراء كل من خالفهم بالرأي لسحقه وتكفيره وربما اغتياله!