سمير عطا الله


كانت للكويت أسبقيات كثيرة بين إمارات الخليج العربي، التي كانت أولها تعدادا وثروة. ومن هذه الأسبقيات الاستقلال، والانضمام إلى منظومة الجامعة العربية. ثانيها الدستور. ثالثها البرلمان. وخارج الإطار السياسي كانت الكويت صحافة الخليج ومسرحه وشاشته الصغيرة وأولى محاولاته في السينما.

على أن أبرز الحضورات، في مقاييس الخليج والعرب تلك المرحلة، كان حضور المرأة، شاعرة وكاتبة وروائية وصحافية. ودخلت الكويتية البرلمان ثم الحكومة. وكانت أول سفيرة خليجية في الخارج من الكويت. وأول من غنّت التراث الشجي كانت سيدة بسيطة حفظت الكويت ودها وذكراها، هي عودة المهنا.

اليوم يكرم المنتدى الإعلامي الدكتورة سعاد الصباح، شخصية العام الثقافية. وفي تكريمها تكريم للمرأة الكويتية وسيدات العرب. إنها إحدى رائدات العمل الوطني وأبرز الشاعرات وأكثر من كرَّس حياته لدعم الثقافة في العالم العربي. خرجت سعاد الصباح من اكتفائية الجاه والثراء، لتعمل ناشرة، إلى جانب عملها كشاعرة ومؤلفة. وسعت إلى أن تكون دار النشر التي أنشأتها، أشبه بجمعية ثقافية تهتم بأعمال الأدباء في كل مكان. وكرمت الدار كل عام شخصية عربية مستحقة، سواء من أهل الخليج، مثل عبد العزيز حسين وإبراهيم العريض، أو من خارجه، مثل غسان تويني، الذي شرفتني برئاسة تحرير المجلد الذي أصدرته عنه.

اعتمدت سعاد الصباح في إدارة المؤسسة الراحل العزيز محمد خالد القطمة، وفي مصر الدكتور سعد الدين إبراهيم. ولا حاجة للقول إن الدار كانت تسعى إلى أن يربح المؤلف، لا الناشر. غير أن الغنى الثقافي الأول لم يكن في تشجيع الآخرين، بل في تفرغ الشاعرة الشخصي للتأليف ومتابعة الحركة الأدبية في كل العالم العربي. ولم يكن ذلك بلا خيبات، خصوصا خيبتها بالقضيتين اللتين أحبت أكثر من أي شيء آخر: فلسطين والعراق. فقد أفاقت ذات يوم لترى الجيش العراقي يحتل الكويت ومنظمة التحرير تؤيد الاحتلال. في لحظة مرَّ في ذاكرتها ما كتبت من شعر وما عرفت من أصدقاء ورموز. لكن المسؤولين ليسوا القضية.

سعت سعاد الصباح الناشرة إلى وضع الضوء على تاريخ الكويت، معتبرة أن هذه مساهمتها الأولى حيال البلد الذي أحبته كأكثر من أم. تأخرت الكويت في تكريم وجهها الشاعري الأول. وفي تكريمها تكريس الاعتبار للمرأة الكويتية التي كان سرها الحقيقي، كما هو خصوصا سر سعاد الصباح، وقوف الرجل إلى جانبها، راعيا ومشجعا ومجاهدا في سبيل الحقّين: حقها الإنساني وحقها الوطني. تحية، سيدتي أم مبارك.