أحمد الجار الله
هل يدرك رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الى أين يأخذ بلاده, وهل يستطيع تحمل ثمن الدم المراق في سبيل استمراره بالسلطة, بل كيف سيحاور من ينعتهم بالارهابيين والفلول فيما آلة القتل العمياء تحصد منهم العشرات?
يبدو ان الديكتاتوريين لا يتعلمون من تجارب غيرهم, فالخوف على سلطتهم يجعلهم بلا ذاكرة, والتاريخ عندهم يبدأ من لحظة توليهم الحكم. هذا ما يبدو عليه رئيس الوزراء العراقي باختياره المضي في الطريق ذاتها التي سار فيها كل من نظامي القذافي والاسد, وحاليا يحث الخطى اليها النظام الجديد في مصر, وحكام تونس من الاخوان المسلمين, اذ بدلا من الذهاب الى طاولة الحوار سارع الى المجزرة وبعدها خرج على العراقيين يحذرهم من الفتنة ويدعوهم الى الحوار.
يبدو ان المالكي لم يقرأ جيدا تاريخ بلاده, التي منذ عهد الحجاج بن يوسف الثقفي كانت المجازر والفتن الشغل الشاغل لحكامها, حتى في العصر العباسي, الذي شهد بضع سنوات من الاستقرار, أعادها تقريب هارون الرشيد البرامكة من مركز صنع القرار الى أتون الخلافات, وبدأت الدولة الاسلامية, حينذاك, بالانحدار لأن تلك الجماعة كانت تسعى الى الامساك بقرار الخلافة ككل خدمة لاهدافها وليس لمصلحة الامة. وجرت في بلاد الرافدين الكثير من الدماء, بل اصبحت اكثر تدفقا في عهد المأمون حين استبدل بالفرس البرامكة الذين كانوا يقاتلون لاستعادة مجد امبراطوريتهم البائدة, فزرعوا بذور الفتن الطائفية, وشغلوا الأمة كلها بها حتى يومنا هذا.
يبدو ان ذاكرة المالكي بحاجة الى إعادة تكوين, أقله تاريخ السنوات الثمانين الماضية, لتدرك ان العراق لا يحكم بالحديد والنار, ففيه الدم يستسقي الدم, واللعب على الحبال الطائفية والمذهبية يودي باللاعبين الى التهلكة , فكيف يريد من شعب تنسم هواء الحرية ان يخضعه مرة أخرى لنظام قمعي?
العراق لا يحكم من الخارج بأدوات مهما تمسحت بعباءة الدين او لوحت بسيف الطائفية, وما تجربة التعايش بين مكونات المجتمع طوال العقود الماضية, وذوبان الفوارق الطائفية بينها, الا الدليل الذي كان على المالكي التوقف عنده مطولا قبل ان يدخل بلاده محرقة الحرب الاهلية.
رغم ذلك لا يزال هناك متسع من الوقت ليتدارك المالكي حجم الكارثة وإصلاح ما انكسر حتى لا يستعيد العراقيون منظر السحل الذي اشتهروا به, وكي لا تكون أرض العراق ملعبا جديدا تريده طهران لتخفيف الضغط عنها, او لتفاوض بدماء العراقيين المجتمع الدولي على برنامجها النووي.
الدم العراقي, كما هي حال كل دم عربي ومسلم حرام, كما أنه ليس سلعة للتفاوض والمساومة, ولا وسيلة لترسيخ أنظمة ديكتاتورية, هذا ما يجب ان يفهمه المالكي الذي عليه ان يعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله, فما لشعبه حقه العيش بحرية, يقرر مصيره بنفسه, ويختار حكمه الوطني المعبر عنه, الذي يتساوى فيه الجميع أمام القانون, لا فرق بين سني او شيعي, او كلداني وآشوري, او يزيدي, الا بالاخلاص للعراق والانتماء إليه وحده, وليس دفع فواتير مجانية لقوى طامعة في هذا البلد منذ مئات السنين.
لا يحتاج العالم العربي الى بلد آخر تغرقه الديكتاتورية والاطماع السلطوية في بحر الدم, اذ يكفيه الصومال وليبيا وسورية ولبنان ومصر وتونس, حيث يستبيح الطامعون بالحكم, او عملاء الخارج دماء أبناء شعبهم تحت عنوان محاربة الارهابيين والفلول والثورة المضادة, او حقوق هذه الطائفة وتلك.
التعليقات