رحيّل غرايبة
وزير الخارجية الإيراني من خلال جولته على بعض الدول العربية، والدول المجاورة لسورية، جاء يحمل رسالة إيرانيّة أجنبي في الشؤون الداخلية السورية واضحة وجلية في مضمونها وصريحة في لغتها إلى درجة الخشونة، مفادها التحذير من سياسة التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لسورية، و تحذير دول الجوار من تقديم المساعدة في الأرض أو الجو التي تسهّل هذا التدخل، أو التي يظهر منها بعض معاني التواطؤ معه، فإيران لن تسمح بذلك ولن تتساهل معه.
السياسة الإيرانية تجاه هذا الموضوع تحاول أن تركز على مبدأ دولي مقبول على الصعيد الدولي والسياسة الخارجية بين دول العالم، وهو مبدأ دولي مقبول على صعيد المنطق العقلي الإنساني كذلك، وقد جعلت من هذا المبدأ منطلقاً لخطابها السياسي الخارجي، كما كان محوراً للحديث والتفاوض مع كل من الأردن وتركيا، لكونهما مرشحتان للتعاون مع أمريكا فيما لو فكرت في مشروع تدخل دولي لم يتبلور بعد.
لكن العجب العجاب أن إيران مارست نقيض هذا المبدأ،عندما قامت هي نفسها بالتدخل بالشأن السوري، وجعلت من نفسها وصيّة على الشعب السوري، وتتحدث باسم سورية نظاماً وشعباً، ووزير الخارجية الإيراني كان يتحدث وكأنه وزير خارجية سورية، فمن أعطى إيران حق الوصاية وحق الحديث باسم الشعب السوري، وهل هي أقرب إلى الشعب السوري من تركيا ومن الأردن، ولماذا جعلت من نفسها أكثر قرباً منهما، فهي لا تتقدم عليهما لا من حيث الجوار، ولا من حيث العرق والقومية ولا من حيث الدين.
فإذا كان الجواب الإيراني منبثقا من خلال العلاقات الوثيقة مع النظام السوري، فهي تعلم تمام العلم أن النظام السوري ليس منبثقاً من الشعب السوري، ولم يأت إلى السلطة بطريق الانتخاب ولا عبر شرعية صناديق الاقتراع، والشيء الآخر أن هذا المنطق يتعارض مع خطابها المعلن تجاه البحرين، عندما وقفت علناً مع الشعب البحريني ضد النظام الحاكم فيها، وتطالب ليلاً ونهاراً النظام البحريني بالاستجابة لمطالب شعبه بالحرية والديمقراطية، مع أن الشعب البحريني لديه انتخابات برلمانية ومعارضة وقسط من الحرية لا تقارن مع ما يتعرض له الشعب السوري من مجازر ومذابح مروعة ذهب ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والمصابين وملايين المشردين السوريين إلى دول العالم.
والأمر الآخر أن إيران وجهت انتقادات لاذعة للسعودية وبعض دول الخليج التي قامت بتقديم المساعدة للنظام البحريني في مواجهة الاحتجاجات الشعبية البحرينية، في حين أنها تقوم بتقديم المساعدة إلى النظام السوري علانية على صعيد الأسلحة المتطورة وعلى صعيد الرجال والخبراء والجنود والمليشيات وعلى صعيد المال، وعلى صعيد الدعم السياسي المطلق بلا حدود.
نحن نعيب على أمريكا اتباعها لسياسة المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا الشعوب، فهي تغض الطرف عن الجرائم quot;الإسرائيليةquot; ضد الشعب الفلسطيني، وتحمي مخالفة هذا الكيان المحتل لكل القوانين الدولية والإنسانية، في حين أنها تستنكر على الدول الأخرى أية مخالفة إن وجدت، وهنا إيران تمارس سياسة المعايير المزدوجة تجاه قضايا الشعوب العربية، فلا هي مع الشعوب في ثورتها على الاستبداد والظلم والأنظمة الفاسدة القمعية التي تفتقد إلى الشرعية الشعبية ، ولا هي ضد الأنظمة الظالمة، وفقاً لمعايير واحدة ومنضبطة.
إذا كان التدخل الدولي مرفوضاً، فأول دولة يجب أن تكف عن التدخل في الشؤون السورية والعربية هي إيران، لأنها وقفت مع النظام السوري دون أي اعتبار أو نظرة منصفة لمطالب الشعب السوري، ولم تستخدم علاقتها الحسنة في التخفيف من حدة مجازر النظام أو من أجل تقليل حد التوتر والعنف، ولم تقم بأي دور إيجابي نحو انقاذ الشعب السوري أو من أجل الحفاظ على الدولة السورية ومؤسساتها ومقدراتها التي ذهبت هدراً، و لم تقدم أية مبادرة سياسية عادلة في هذا المضمار.
إذا كان الاعتداء على سوريا خطاً أحمر عند الإيرانيين، فلماذا لم تقم بأية خطوة تجاه (اسرائيل) التي اخترقت هذا الخط عشرات المرات، ولماذا لم تتدخل ولو مرة واحدة ضد (اسرائيل)، ولماذا يقتصر هذا التدخل ضد الشعب السوري المقهور فقط، ولماذا اقتصرت على الاستثمار الإعلامي في الغارة الصهيونية على سورية الذي لا يختلف عن المواقف العربية المتخاذلة.
التعليقات