حاوره في القاهرة: أحمد فهمي

مثلما كان للمفكر والأكاديمي المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم مؤسس ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية دور في فتح قنوات اتصال بين جماعة الإخوان والإدارة الأمريكية قبل سنوات من ثورة يناير، مكنتهم من الوصول إلى الحكم بموافقة أمريكية، يعاود الدكتور سعد الدين إبراهيم مساعدة السلفيين على فتح قنوات مشابهة هذه الأيام بعد نحو عامين من الثورة، وبعد أشهر معدودة من حكم الإخوان لمصر .

الدكتور إبراهيم حمل رسالة من السلفيين قبل سفره بهذا الخصوص إلى واشنطن خلال الأيام الماضية، وبعد عودته إلى مصر يتحدث لrdquo;الخليجrdquo; عن تقييم الإدارة الأمريكية لما يحدث في القاهرة بعد نحو عشرة أشهر من حكم الإخوان، ويكشف أن أسهم الإخوان تراجعت، وأن واشنطن خففت من دعمها لهم، وأعادت وضعهم تحت المراجعة والاختبار، بعد أدائهم السياسي والإداري السيئ، وفشلهم في إدارة شؤون الدولة، على الرغم من استمرار وفاء جماعة الإخوان لواشنطن بالتعهدات كافة التي قطعتها على نفسها خلال الانتخابات الرئاسية، بما يضمن المصالح الأمريكية في مصر وفي الإقليم، وحول هذه التطورات والمتغيرات يتحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم لrdquo;الخليجrdquo;:

أنت عائد لتوك من زيارة للولايات المتحدة وشاركت في فعاليات ونقاشات مع مسؤولين ومراكز بحثية أمريكية حول الوضع في مصر، ما مدى تأثير هذه الشخصيات أو المؤسسات في صنع السياسة الأمريكية؟

- التقيت العديد من الشخصيات التي لها نفوذ، منهم وليم ماكفوي أحد أقرب مستشاري أوباما الذي صار سفير أمريكا في موسكو، كما التقيت المستشارة النافذة بالبيت الأبيض سامنتا باور، ووليم بيرنز وكيل الخارجية الأمريكية المقرب جداً من الوزير جون كيري .

كيف وجدتم نظرة العاصمة واشنطن لمصر بعد نحو 10 أشهر من حكم الإخوان؟

- وجدت اهتماماً شديداً بما يجري في دول الربيع العربي، وفي مصر، خصوصاً من جانب مسؤولين في الحكومة الأمريكية أو في الكونغرس وفي الإعلام الأمريكي أو في مراكز البحوث .

وفي كل اللقاءات حرصت على طرح سؤال محدد على كل من التقيتهم من الأمريكان، لأنني كنت محملاً بهذا السؤال من تيارات وأحزاب مصرية: لماذا دعمت الولايات المتحدة الإخوان، ولماذا أوصلتهم إلى السلطة؟ وكانت الإجابة أن أمريكا لم تدعم الإخوان، ولكنها تتعامل مع واقع موجود على الأرض .

صحيح أن أمريكا تدخلت من خلال السفيرة آن باترسون، عندما تأخر إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، لكن تدخلها لم يكن ضغطاً، بل كان للاستفسار .

التعهدات الأربعة

لكن هذا حدث قبل نحو عشرة أشهر .

- الأمريكان يفضلون عادة إعطاء فرصة كافية لكل الأطراف التي يتعاملون معها، ولكن للإجابة بدقة عن السؤال، لا بد من التذكير بما تم من تعهدات بين الإخوان والولايات المتحدة . إذ سبق أن أوفدت الجماعة نحو ثلاثين شخصاً إلى الولايات المتحدة ما بين الجولة الأولى والجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، وهؤلاء الثلاثون كانوا ممن تلقوا تعليماً عالياً في الجامعات الأمريكية والأوروبية، ولديهم المقدرة والمهارة للتحاور مع الغرب، وقد طرق الموفدون الثلاثون كل الأبواب في واشنطن وفي نيويورك وفي شيكاغو وفي لوس أنجلوس أي أنهم طرقوا أبواب الحكومة وأبواب الكونغرس وأبواب المراكز البحثية وأبواب الصحافة الأمريكية . وقدموا ما يمكن تسميته بفروض الطاعة والولاء، وتعهدوا بأنهم لن يمسوا المصالح الأمريكية الأربع .

وما هذه المصالح الأربع؟

- هي:

1- المرور الآمن في الأجواء والمياه الإقليمية المصرية، وخاصة في قناة السويس .

2- الالتزام بمعاهدة السلام المصرية ldquo;الإسرائيليةrdquo; .

3- التحكم في السلوك الفلسطيني في غزة، وربما سلوك حزب الله في لبنان .

4- طلب الدعم المصري في أي مواجهة محتملة مع إيران .

يضاف إلى ذلك العلاقات التجارية والاقتصادية بين مصر والولايات المتحدة، وفي ما يتعلق بهذا الملف فإن القريبين من المهندس خيرت الشاطر حريصون على توسيع نطاق هذه العلاقات والتوكيلات التجارية . . إلى آخره .

وماذا يحدث الآن؟

- ما حدث مؤخرا أن الولايات المتحدة جمدت مبلغ 750 مليون دولار من إجمالي مبلغ مليار دولار كانت خصصته لدعم التحول الديمقراطي في مصر، بعدما صرفت منه 150 مليون دولار لتوفير احتياجات عاجلة حتى لا تتأثر الدولة المصرية . وهذا المبلغ ليس من ضمن المعونة السنوية الثابتة، وكان قد خصص ضمن جملة المساعدات الأمريكية المخصصة لدول الربيع العربي، لكن الولايات المتحدة قررت تجميد بقية المبلغ لحين اتضاح الأمور في مصر، وجعلت صرف هذا المبلغ مشروطا بأداء الإخوان في الفترة المقبلة .

الإخوان متعثرون

هذا مؤشر إلى مدى تأثر العلاقات بين الإخوان وواشنطن، ولكن كيف تنظر الولايات المتحدة إلى أداء الإخوان خلال الأشهر الماضية لتوليهم الحكم؟

- الولايات المتحدة ترى أن أداء الإخوان تنقصه الخبرة والحنكة، فقد خاب أملهم، حيث فوجئوا بأن الإخوان ليس لديهم الكوادر المدربة لإدارة الدولة، وآية ذلك أنهم استغرقوا وقتاً طويلاً لتأليف الحكومة، كما أن إدارة الحكومة للشأن العام في مصر متعثرة، كما أنهم لاحظوا ازدياد حجم الانتفاضات والإضرابات والاعتصامات سواء عمالية أو فئوية . هذا إلى جانب الأزمات والاختناقات التموينية، وبالتالي وجدوا أن أداء الإخوان أقل من التوقعات . وهذا التقييم كان منذ نحو أسبوعين .

مراجعة أمريكية شاملة

إذاً هناك عملية مراجعة أمريكية لسير الأمور في مصر .

- هناك مراجعة أمريكية للأداء المدني في نظام الرئيس محمد مرسي، وهم يقيمون هذا الأداء عندهم في أحسن الأحوال بخمسين في المئة، أي يرونه نجاحاً (على الحركرك) .

الدكتور عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية قال في حوار تلفزيوني مساء السبت الماضي إن واشنطن تعتبر الأمور ldquo;تحت الاختبارrdquo;، فهل ترى أن هذا الوصف دقيقاً؟

- نعم، دقيق، وإذا جاز التعبير فإنهم في هذا الاختبار حصلوا في أعمال نصف السنة على خمسين في المئة، وكما قلت فهو نجاح (على الحركرك)، إذا جاز التعبير، لكن يبقى امتحان الفترتين الثالثة والرابعة . . إلى آخره .

هل لمست خلال لقاءاتك تأييداً أمريكياً لما يثار في مصر حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة؟

- أنا عرضت هذا السؤال، وألححت عليه، لأنني كنت محملاً برسائل من هذا النوع من المجتمع المدني ومن تيارات سياسية مصرية . وكان جوابهم أنهم يؤيدون ذلك، إذا خرجت مظاهرات شعبية، واستمرت لعدة أيام، فسوف يضغطون لتلبية هذا الطلب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة .

لكن الموضوع الأخطر الذي طرح في اللقاءات، كان (ماذا عن تدخل الجيش؟)، ونحن في مركز ابن خلدون أعددنا استفتاء شمل 26 محافظة عن بدائل الخروج من الأزمة، وطرحنا ثلاثة بدائل على الناس هي: أن تتولى المحكمة الدستورية حكم البلاد لفترة انتقالية أو يتم تشكيل حكومة ائتلافية من كل القوى السياسية، أو يتدخل الجيش . وأدهشنا أن البديل الثالث الخاص بتدخل الجيش حاز على 82%، بينما حاز البديلان الآخران مشتركان 18% .

وبالتالي ثار سؤال في واشنطن ماذا إذا طالب الشعب، كما حدث في مدن القناة، بعودة الجيش، فكان الرد ليس أمامنا سوى أن نؤيد عودة الجيش، خاصة أن علاقتنا طيبة بالمؤسسة العسكرية .

إذاً رهان واشنطن في الفترة المقبلة متركز على الجيش بشكل خاص؟

- نعم .

هل يعني ذلك أن أسهم الجيش تصاعدت في واشنطن، بينما تراجعت أسهم الإخوان؟

- طبعاً .

محددات عودة الجيش

ما رؤية الولايات المتحدة لمستقبل الإخوان؟

- هي ترى أنهم إذا التزموا بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم للشعب المصري وللولايات المتحدة وللغرب فلا مانع من استمرار التعاون معهم، لكن كل البوادر تشير إلى أن هذه العملية ليست مؤكدة، لأن ولاء جماعة الإخوان لنفسها، إلى جانب وجود ضحالة وسوء خبرة لديهم، مما يجعل تأييد أمريكا لهم يتناقص يوما بعد يوم .

أنت كمفكر مصري، هل ترى إمكانية تحسن أداء الإخوان أو استمراره على حاله في ضوء أن لديهم مشروعاً محدداً يحاولون تحقيقه؟

- طبعاً هم لديهم مشروع للتمكين والسيطرة عمره ثمانون عاماً، وكانوا ينتظرون هذه الفرصة وهم يحاولون تحقيقه . أما وقد وصلوا إلى السلطة في مصر، ومع أدائهم الحالي، فإنني أرى أن شعبيتهم تتضاءل يوما بعد يوم . وهذا ترصده كل القوى الداخلية والخارجية، ونحن هنا في مركز ابن خلدون لدينا مشروع للرصد اسمه (مرسي لاين)، نرصد من خلاله أداء وشعبية الرئيس محمد مرسي .

وأعتقد أن أجلهم في السلطة لن يكون طويلاً، ولن يتجاوز سنة أو سنتين .

رسالة السلفيين إلى واشنطن

قيل إن السلفيين حمّلوك رسالة لإبلاغها الولايات المتحدة، ماذا كان فحوى الرسالة؟

- كان فحواها أنهم يبلغون الولايات المتحدة بأنهم استقلوا عن الإخوان وسيفكوا التحالف معهم، وأنهم يرغبون في قناة اتصال مباشرة بينهم وبين أمريكا والغرب، وقد نقلت عنهم هذه الرسالة بالفعل .

هل لدى السلفيين القدرة كي يكونوا بديلاً عن الإخوان في إدارة الدولة؟

- نعم، وطبقاً لدراساتنا وإحصاءاتنا، فإن حجمهم أكبر ثلاث مرات من الإخوان، وقدرتهم التصويتية أكبر من الإخوان ربما حتى عشر مرات، بل إن الإخوان فازوا على أكتاف السلفيين . فالإخوان لم يفوزوا بأعضائهم البالغين نحو750 ألف عضو، بل فازوا بأصوات الإسلاميين الآخرين . وهؤلاء الآخرون يتساقطون من حول الإخوان .

هل يحظى السلفيون بقبول في واشنطن؟

- نعم .

أكثر من الإخوان؟

- لا، ليس أكثر من الإخوان، ولكن الولايات المتحدة تضع كل شيء في مصر (تحت الاختبار)، وقد تم توجيه الدعوة للدكتور ياسر برهامي ولوفد من السلفيين من جانب جماعات أهلية في أمريكا، منها جماعات إسلامية . وبمجرد دخول أمريكا تكون كل الأبواب مفتوحة، تقابل من تشاء، ويقابلك من يشاء .

باعتبارك من المتخصصين في دراسة الحركات الإسلامية، هل نجح الإخوان في احتواء التيارات الجهادية في مصر؟

- لم ينجحوا ولن ينجحوا، لأن من طبيعة التنظيم الداخلي الإخواني، أنه لا يثق إلا بالإخوان، هي جماعة تعبد نفسها من دون الله، ويمكن للتنظيم استخدام كل الحركات الإسلامية التي حوله، لكن مسألة الثقة تكون في الإخواني فقط .

ولهذا نجحوا مع حماس في التأسيس لحالة تضمن أمن ldquo;إسرائيلrdquo;؟

- حماس جزء من الإخوان، لكن الأمريكان يضعون ذلك أيضاً تحت الاختبار .

كيف ترى مستقبل الأقباط والكنيسة في مصر في ظل بقاء الإخوان في الحكم؟

- ما لم يتغير أداؤهم نحو الأقباط 80 درجة على الأقل، فستسوء العلاقة أكثر، وسوف ينضم الأقباط لبقية قطاعات المجتمع المصري المستاءة من الإخوان .

الأزهر والقضاء والإعلام

في ضوء أزمتهم الأخيرة معه، هل تعتقد كمفكر مصري أن الإخوان يعلمون ويقدرون الدور التاريخي للأزهر؟

- هم يعلمون هذا الدور جيدا، وهذا أحد أسباب رغبتهم في الاستيلاء على الأزهر واختراقه، مثلما يحاولون اختراق المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية .

وهل تعتقد أنهم سيتمكنون من السيطرة عليه؟

- لا، الأزهر يقاوم ومقاومته صلبة ومنيعة على الإخوان، لكن لا ينبغي أن نركن إلى هذا لأن بعض القيادات الأزهرية وصلت إلى سن التقاعد وسوف تخلو أماكنهم والإخوان لديهم باستمرار مرشحون لشغل كل هذه المواقع، وبالتالي موضوع الأزهر جدير بأن يتنبه له الشعب المصري، وألا نترك الأزهر يقاوم وحده .