عبدالله السويجي
قواعد اللعبة تغيرت في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا منذ سقوط الرئيس التونسي بن علي، وتم كشف بعض الأوراق خلال انتقال السلطة من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك إلى الرئيس الحالي محمد مرسي، ثم كشفت بعض الأقنعة خلال الصراع في ليبيا لإطاحة العقيد الراحل معمر القذافي، وأصبح (اللعب ع المكشوف) في الأزمة السورية التي نعيش أحداثها منذ عامين .
واللعبة في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا ما هي إلا صدى وترددات للعبة نفوذ القوى العظمى العالمية، وكأن الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي لم تتوقف، وتلبس لبوسات أخرى جديدة، وتتستر بمفاهيم وشعارات مختلفة، وإصرار روسيا المستميت للوقوف إلى جانب النظام السوري، وتزويده بمنظومة صواريخ متطورة واستراتيجية (إس 300)، ووقوفها ضد أي قرار يتخذ في مجلس الأمن قد يفتح الباب أمام تفويض المجلس بالتدخل العسكري في سوريا، وقيامها بدور المتحدث الرسمي والمفاوض الرئيس نيابة عن أو بالتنسيق مع النظام السوري، يقابله إصرار غربي أوروبي - أمريكي لجعل الصراع عسكرياً في سوريا، واشتراط استبعاد الرئيس بشار الأسد من أي ترتيبات تتعلق بمستقبل سوريا، ورفع الحظر عن تزويد (المعارضة المعتدلة) السورية بالسلاح، وتسهيل مرور المسلحين وتدريبهم ومدهم بوسائل الاتصال الحديثة، كل ذلك، يعكس السباق العالمي لإعادة توزيع مناطق النفوذ في الشرق الأوسط، في ما يشبه الانتداب الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، وليس بالضرورة أن يكون نصيب الدول الرابحة الوجود العسكري أو إدارة البلاد أو الاحتلال المباشر، ولكنه بالضرورة يتمثل في السيطرة على الثروات الطبيعية من خلال الحصول على صفقات ومشروعات إعادة بناء القوات المسلحة أو إعادة الإعمار، أو أي اسم آخر يسمح بالحصول على مشروعات تستمر لعشرات السنين، الأمر الذي يخفف من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي تضرب الاقتصاد الأوروبي والأمريكي، ويعيد تموضع القوات بشكل أو بآخر، من خلال قواعد عسكرية أو خبراء ميدانيين أو مستشارين . وبهذا تجاوز الصراع تغيير نظام بآخر، إلى تغيير مصالح ومشروعات عملاقة بأخرى، خاصة إذا علمنا أن رأس المال وحش لا يكف عن الالتهام، وإذا ما توقف عن الكسب أو تراجعت أرباحه فإنه يتحول إلى قاتل حقيقي، قد يضحي بعشرات الآلاف من الأرواح البشرية، ويهدم مدنا بأكملها في سبيل مد أنبوب غاز من بلد إلى آخر، أو من منطقة إلى أخرى .
هنالك قناعة بدأت تترسخ لدى الإنسان العادي والمراقب المهني المتخصص، وهي أن التغيير لم يعد أداة للوصول إلى الديمقراطية وممارسة الشعوب حق التحكم بمصائرها، بل أصبح التغيير غاية متجددة تتجنب الوصول إلى مرحلة الاستقرار واستتباب الأمن . وتجارب التغيير في الدول التي تعرضت لذلك لا توحي مطلقاً أن (القيادة العالمية للتغيير) تنشد الاستقرار، فأفغانستان مازالت تعيش التخلف ذاته والانقسامات ذاتها، والعراق يدخل كل يوم، منذ العام ،2003 في نفق معتم جديد، والدم العراقي لايزال يرشق في الطرقات، وليبيا واليمن ومصر وتونس تعيش حالة فوضى وتراجع سيادة مؤسسات الدولة، وسوريا، إذا استمر الحال على ما هو عليه لعام واحد، فلن نجد حجراً على حجر لا في المدن ولا في أريافها، ولن نجد سوريّاً فوق أرضه، وسيكون إما قتيلاً وإما جريحاً وإما مقعداً وإما لاجئاً أو مغترباً أو مجنداً مع إحدى الفرق التي تتكاثر يومياً، بل قد تكون سوريا بداية لحرب طاحنة تشهدها المنطقة بأسرها . يحدث كل هذا في الدول العربية بينما مجلس الأمن ليس في عجلة من أمره، والدول العظمى اللاعب الرئيس في المنطقة (تتسلى) وتتفرج على المشهد الدموي المأساوي الكارثي المرشح للتفاقم، والذي قد يؤدي إلى تقسيم عدة بلدان عربية إلى دويلات، تحقيقاً لرؤية الخبراء الاستراتيجيين الغربيين وربما الشرقيين أيضاً، في تقسيم يتم وفق العرق والدين والمذهب .
إن الأمر المهم والوحيد والجدير بالرعاية والاهتمام، بالنسبة إلى القوى العظمى هو تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط بما يكفل المصالح الخاصة لكل طرف، روسيا تتشبث بآخر معقل لها في الشرق الأوسط المتمثل في وجودها في سوريا، والدول الغربية والولايات المتحدة تحرص أشد الحرص على التفوق ldquo;الإسرائيليrdquo; في المنطقة، وحماية أمن الكيان المغتصب لفلسطين، ليس من أجل عيون اليهود أو حماية لدولة زرعوها ومنحوها شرعية الوجود، ولكن من أجل الإبقاء على كيان يثير الرعب في المنطقة، ويكون عامل عدم استقرار وتخلف لشعوبها، حتى تبقى هذه الشعوب والدول تحت الوصاية الغربية والأمريكية، وأن تكون سوقاً مفتوحة للسلع، ومكاناً للحصول على الطاقة والثروات الطبيعية . وما الفوضى العارمة التي تسود المنطقة سوى أداة تحقق الأهداف المذكورة، بينما المتصارعون في البلدان العربية ابتلعوا الطعم السام، بل يناشدون بالتدخل العسكري المباشر الذي يضع الدول تحت الوصاية المباشرة .
الدول العظمى غيرت قواعد اللعبة بذكاء شديد، فهي تعرف البنية الطائفية والعقائدية والعرقية التي تتشكل منها الشعوب العربية، وتعلم أنه في الوقت الذي ستنطلق فيه شرارة (الجهاد)، فإنها لن تتوقف عند تغيير النظام أو إطاحة برئيس، بل ستدخل هذه الدول وشعوبها في حروب أهلية لن تنتهي إلا بهلاك جميع الأطراف، عندها تقوم القوى بقطف ثمار الصراع بسهولة ويسر، ولا ضرر من تقديم المساعدات ldquo;الإنسانيةrdquo; وإرسال الخبراء لإعادة تنظيم المجتمعات ومساعدتها على تشكيل مؤسساتها وأنظمتها ونظمها من جديد، ولنا في الصومال والعراق وليبيا نماذج واضحة للجميع .
لقد ابتلعت الشعوب الطعم ووقعت في الفخ، ورغم ذلك لا تزال تلتهمه بغباء شديد، وكأنها مغيّبة عن وعيها، ومسحورة أو مأسورة، أو أن الفرق المتقاتلة تعرف طعم الطعم وتدرك السم الذي يسري في الجسد، ولكنها تتلذذ به في مقابل ممارسة سيادة من نوع ما، وتحقيق أهداف خاصة وشخصية، لأننا نستبعد استبعاداً تاماً الهدف المعلن، وهو (الجهاد) ضد المستبد، فهذه الكلمة وهذا الفعل المقدس تم تفريغه من محتواه، بالفتاوى والسلوكيات التي لا تمت إلى أيّ دين بصلة .
تغيرت قواعد اللعبة، والشعوب أصبحت أوراق اللعبة بامتياز، ولا حول لها ولا قوة، سوى أنها متمسكة بالجهل، وعاجزة عن رؤية الصواب وإدراك الحكمة، ترى، متى ستدرك هذه الشعوب ومن يعبث بها أنها باتت أدوات لتحقيق مآرب أخرى للقوى العظمى؟ مجرد سؤال .
التعليقات