مالك التريكي


نسبت وسائل الإعلام التونسية إلى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، الخبير بشؤون الحركات الإسلاموية، القول إن حزب النهضة قد حشر نفسه في موقف صعب عندما تمسك بتولي الحكم في هذه الفترة الانتقالية الحرجة التي تتسم فيها أوضاع البلاد بعدم الاستقرار، حيث يتفاقم التجاذب السياسي وتشتد النزعة المطلبية لدى مختلف الفئات الاجتماعية والقطاعات المهنية، هذا فضلا عن افتقاد النهضة للخبرة في إدارة شؤون الدولة. كما قال الجورشي إن تواتر استطلاعات الرأي العام التي تبين تقدم حزب نداء تونس في نيات التصويت في الانتخابات القادمة قد حدا بالنهضة أخيرا إلى إجراء استطلاعات لحسابها (بغية التثبت والتأكد)، وإن هذه الاستطلاعات أثبتت صحة تراجع شعبية النهضة في مناطق مختلفة من البلاد.
نقطتان: تتعلق الأولى بما سبق أن أكدته لنا مصادر موثوقة من أن النهضة قد نصحت في أواخر 2011 بمقاومة إغراء الحكم باعتباره، في هذا الظرف العسير، هدية مسمومة. أي أن ذوي النظر الاستراتيجي قد نصحوا النهضة بتجاوز عقدة lsquo;الشرعيةrsquo; الانتخابية والاكتفاء من أول انتخابات حرة في تاريخ البلاد بإثبات شعبية الحزب وتأكيد أحقيته في المشاركة في تحديد المستقبل الوطني، الأمر الذي يعني وجوب التريث أعواما حتى تستقر الأوضاع وتتوفر معظم الشروط المعقولة لممارسة حكم قابل للنجاح.
أما النقطة الثانية فإنها تتعلق بالتساؤل عن جدوى الحرص على معرفة الواقع الاجتماعي واتجاهات الرأي العام (عبر استطلاعات خاصة) إذا لم يكن للمعرفة دور في تصحيح السياسات وترشيد الخطاب. ذلك أن المثير للاستغراب أن التحقق من تراجع شعبية النهضة لم يمنع راشد الغنوشي من الإعلان قبل أيام في صفاقس، بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين لتأسيس الحزب، أن النهضة سوف تنتصر في الانتخابات القادمة والانتخابات التي تليها!
ربما يكون الجورشي على صواب في قوله، تعليقا على هذه التصريحات، إن إعلان الباجي قائد السبسي ترشحه للانتخابات قد أدخل الأحزاب كافة في حملات انتخابية سابقة للأوان. على أن الأكيد أنه إذا تمادت الأحزاب في هذا الخبط العشوائي، الفاضح لانعدام الحد الأدنى من المبادىء الفكرية ولسعة الخيال في صغارات lsquo;السياسة السياسويةrsquo;، فإن تكهنات الغنوشي الانتصارية سوف تتحقق على نحو أو آخر. ذلك أنه لم يصدر حتى الآن أي نفي مقنع لما تتداوله الأنباء منذ مدة عن مفاهمات بين النهضة ونداء تونس حول احتمال ائتلافهما حكوميا، أو تقاسمهما للسلطة بشكل ما، بعد الانتخابات القادمة. وليس الغزل العلني بين قائد السبسي ورئيس الحكومة الحالي علي العريض (والسابق حمادي الجبالي) سوى إحدى علامات هذا التقارب المصلحي.
تقارب مناف لطبائع الأشياء السياسية لا تقره قواعد الحزبين ولا عناصرهما النشطة فايسبوكيا في السباب والتنابز بالألقاب. ولكن المطمئن بالنسبة لقواعد النهضة هو أن قيادتها غير معنية بتصحيح السياسات (أيا كان نصح الناصحين). أما على فرض وقوع هذا التصحيح، أو الإصلاح، في آت من الدهر فما عسى يكون وجه الإنجاز؟ مجرد التخفف من أحمال الإيديولوجيا طلبا لإدراك ركبocirc; الواقع التونسي المعاصر. وتلك بداية الفهم.