مطلق سعود المطيري

وحدتْ مأساة الشعب السوري كلمة علماء المسلمين لأول مرة في تاريخ الأمة الاسلامية الحديث، فكان يوم الخميس الفائت في القاهرة يوما تاريخيا يحسب لأرض الشام المباركة، فالإنسان المسلم عرف رحمة الاختلاف بين العلماء وعذاباته، ولكن طال عليه الزمن بلا أدنى مستوى من الاتفاق بين علمائه، فعرف اختلافهم في رؤية هلال رمضان، والحجاب، والموقف من حضارة الغرب، وحكوماته، بدون أن يتبين له شيء بسيط يتفق حوله علماء الأمة..

من المؤلم أن نلتمس الاتفاق في الرؤية والتوجه والبركة من ألم شقيق مغدور به، ولكن هذه نواميس الحياة لا يكسر طوق التخاذل إلا صرخات العذاب المستبدة بالأرواح التي تخرج من اصوات تشاركنا في العبادة والدم والرسالة.

ولأول مرة منذ قيام الثورة الإيرانية 1979، يأخذ علماء الأمة هذا الموقف الرافض لفكرها وسياستها، فقد كان في السابق من العلماء من يحمل رأيا مطابقا تماما لمنظري ثورة بلاد فارس، فرأوا فيها المخلص من حالة الضعف والهوان التي يعيشها العالم الإسلامي.. ففي الحرب العراقية الايرانية 1981 ndash; 1988، وقف بعض علماء السنة مع جمهورية الخميني ضد العراق، حيث كان يروى أن اختلاف المذاهب لا يلغي صفة الاسلام عن ايران وانها أقرب له من النظام العلماني الذي يحكم العراق، ومع كل أزمة تفتعلها طهران في المنطقة يبرز من بين أهل السنة فرد أو فصيل يبرر أفعال دولة الملالي ويقبلها على علاتها، فقد عرفت السياسة الايرانية كيف تعطل جانبا مهما عند علماء السنة، فدعت للتفاهم والحوار مع العلماء، ورفعت سقف العداء مع السياسيين، فهي تعمل على انجاح مشروعها السياسي في المنطقة وكسب علماء المنطقة لجانبها سوف يسهل عليها اختراق الموانع المذهبية، وهذا ماحدث فعلا.

بعد المجزرة التي ارتكبها حزب اللات في القصير، طعنت الأمة في عقيدتها، وغدر بها، ولم تعد عداوة طهران للأمة أمرا خافيا، فقد أرادت طهران إشعال الطائفة بالطائفة، وشجعها على ذلك معرفتها السياسية والدينية في المنطقة، فهي تعلم من تجربة العراق ان الغرب يفضل مذهبا على مذهب، وهذا التفضيل يحسب لصالحها، كما تعلم جيدا الإشكالية المعقدة بين جماعات الاسلام السياسي وحكوماته، فرفعت لواء الحرب على quot; التكفيريينquot; ظنا منها أن العالم الاسلامي الذي صمت عن افعالها في العراق سوف يصمت عن أفعالها في سوريا، لأن حربها على الإرهاب كما تزعم هي وحليفها نظام الأسد، إلا أن الله كشف زيف دعواها، عندما قتلت على الهوية والطائفة..

الدرس المهم في أزمة سوريا وغير المسبوق في التاريخ الحديث، أنه عندما تكون العقائد حاضرة في الصراع، فيجب على السياسي أن يقدم عالم الدين أمامه، لأنه أعلم بالحجة وأقرب الى المخافة، فإن كانت السياسة تستثمر في الأزمة وتبحث لها عن دور فيها، فإن الدين كل استثماره ينصب في حلها، فليس من المعقول أن تعطل السياسة العقائد، فالسياسة قد تكون طرفا عابرا او حتى مركزيا في الحياة ولكن الدين هو كل الحياة.

اتفاق علماء الاسلام على اعتبار ان ايران عدو للامة مثل ماهي اسرائيل.. يجعلنا نقول : إن كرامة الأمة في دينها، فعلى السياسي إن اراد الحفاظ على شرعية قراره ان يحافظ على طهارة علمائه.

من اتفاق علماء الامة نستطيع القول: إننا أمام مشروع سياسي قادر على حرق المشروع الايراني وإزالته من وجودنا العربي والإسلامي.