علي الطراح
الجدل الدائر بين مدارس الفكر الغربية حول الإسلام السياسي يعتبر أحد التداعيات المستمرة لأحداث 11 سبتمبر، فعلى رغم الخلط في أسباب تنامي الحركة الراديكالية الدينية الممثلة في نموذج جماعات العنف كتنظيم laquo;القاعدةraquo; التي وظفت ذات يوم في محاربة الشيوعية، فإن تلك الحركة تحولت، مع مرور الوقت، إلى عبء كبير على الغرب، ومصدر قلق من قطيعة حضارية أدت إلى تعدد وجهات النظر في التعامل مع هذه التوجهات الدينية التي اتسمت بالعنف. وقد انكشف الاعتقاد الخاطئ بأن الراديكالية الدينية يمكن وضعها تحت السيطرة إذ إن الأحداث والمشاهد المتوالية أكدت خروجها عن الضبط، في أكثر من مناسبة. ويبدو أن الاختلاف ما زال مستمراً بين صناع القرار، إلا أن الظاهر أن المدارس الراديكالية نجحت في تجييش وتضليل بعض الشباب، واستطاعت أن تستغل الثغرات النفسية بينهم وتدفع بهم نحو تبني ثقافة الموت.
واليوم وفي ظل وجود حكومات إسلامية، اعتبرها البعض بمثابة القوة المقابلة للفكر الراديكالي، فهي اليوم تحقق رغبات غربية، مما يدعم السلوك الغربي نحو محاربة الوجه الراديكالي للإسلام السياسي. وثمة ملاحظات أو نقاط مفصلية في التحولات السياسية المتوقعة في تعامل سواء بعض من البلاد المسلمة أو الغرب مع المدارس الراديكالية، فثمة تيار غربي يرى أن الإسلام من الديانات الصلبة والرافضة للتكيف قياساً إلى ما حدث من تطور للديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية حيث تعرضت لحركات تجديد مختلفة، إلا أن الإسلام استطاع أن يحتفظ بمعالمه وثوابته، وهذا ما يراهن عليه هذا التيار.
ويرى تيار آخر من المحللين أن جماعات الإسلام السياسي ستواجه تحديات كبيرة تدفعها نحو تقديم فتاوى جديدة تضمن التعايش مع الحداثة الغربية، فكونها تريد الانخراط في الممارسة السياسية سيحاول بعضها الاندفاع نحو النهج المرن، ومحاولة خلق تيار يدفع نحو التعايش مع متغيرات العصر. وهناك توجه آخر يرى أن وجود هذا النزوع سيؤدي إلى تنامي الصراع بين المدارس الإسلامية وخصوصاً السلفية، وربما ستشهد هذه المرحلة مزيداً من الانقسام بين التوجهات الإسلامية كما حدث في الحركات الليبرالية المختلفة.
وبكل تأكيد، وبخلاف ما يحدث بين المدارس الإسلامية، نجد أن عملية المواءمة بين الأصالة والحداثة هي المعضلة الحقيقية التي تواجه تلك الحركات، فمعظمها تفتقر إلى تقديم نموذج إسلامي يحمل التوافق بين عنصري الأصالة والحداثة، كما أن هشاشة الطرح هي السائدة في تقديم نظرية إسلامية قادرة على التفاعل مع عناصر الحضارة العالمية. ويبدو أن النزاع سيتصاعد في مجال الاجتهاد، وسيقابل برفض كبير وخصوصاً أن التاريخ يؤكد قوة الرفض لحركات التجديد بين مفكري الإسلام السياسي خاصة. وهذا الصراع يدفع نحو التفكير الجدي في كيفية تنشيط البحث في سبل التوفيق بين الأصالة والحداثة، وخصوصاً أن لدينا نماذج إنسانية مختلفة حققت النجاح في مجال المواءمة وتحديداً النموذج الآسيوي.
وفي هذا المقام يعتبر الأزهر أحد أهم المؤسسات الإسلامية العريقة القادرة على تقريب وجهات النظر في الدفع نحو التجديد في الخطاب الديني، على رغم محاولات التهميش لدوره التاريخي ومحاولة إبعاده عن تنشيط حركة التجديد، إلا أنه يبدو أن الأزهر يستعيد بعضاً من عافيته وخصوصاً فيما يحدث في هذه المرحلة من مناوشات بين حركة laquo;الإخوانraquo; وعلماء الأزهر الذين يريدون استعادة وجودهم العلمي في مجال علوم الشرع. والفكر الوسطي للإسلام هو المخرج لضمان التعايش مع الثقافات المختلفة.
التعليقات