إقبال الأحمد

عندما يتحول التطرف الفكري أيا كان نوعه إلى اعتداء على الحريات والحقوق، وإرهاب يسلب كل الحقوق.. الفكرية وغير الفكرية والتي من شأنها القضاء على كل المكتسبات السابقة، عندها يصبح كابوسا.

وفي عالمنا العربي وأثر التطورات الأخيرة والمتسارعة التي طالت بعض دوله وأطلق عليها الربيع العربي كان ذلك خريفا على المرأة كما رأينا.. بعد أن فقدت كثيرا من المكاسب التي حصلت عليها في رحلة شائكة استغرقت سنوات طويلة.

ولا يختلف اثنان أن المرأة العربية كانت المتضرر الأول من وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في بعض الدول مثل مصر وتونس.. لأن التطرف الديني غالبا ما يتبعه تطرف فكري وسياسي وثقافي واجتماعي.. بدأ يسلب المرأة ما حصلت عليه من حقوق في فترة الستينات والسبعينات.

القيادي الإسلامي المصري حازم أبو إسماعيل الذي يعبر عن الفكر الإسلامي الحاكم في مصر اليوم بعد فوز محمد مرسى برئاسة مصر لخص أسباب تخوفنا من تهديد الإسلام السياسي على المرأة حين قال: laquo;نريد تطبيق الشريعة الإسلامية، ومن لا يريدها فهو يريد استمرار الكباريهات والخمر والزنى وتطبيقها سيمنع ظهور النساء عاريات في الأفلام والساحات والشواطئraquo;.

وإذا ما نظرنا إلى العامل المشترك في كل مظاهر غياب تطبيق الإسلام بنظر أبو إسماعيل وجدنا المرأة.. فالكباريهات والزنى والتعري كله يتعلق بالمرأة.. وتطبيق الشريعة يكون في هذه الحالة لمنع المرأة من نشر الفساد والرذيلة كما أوحى كلامه.

والمرأة المصرية اليوم مهددة بكل إنجازاتها في كل المجالات ومن قبل أطراف يسيطر عليها الفكر الإسلامي المتطرف الذي ينحو باتجاه النظر للمرأة على أنها وسيلة للترفيه ومن ثم فبيتها هو مكانها.

وقد جاء عنوان تقرير مركز سيداو للديمقراطية وحقوق الإنسان بعد وصول أول رئيس مدني منتخب بعد ثورة 25 يناير 2011 في مصر الذي جاء كالتالي laquo;المرأة المصرية في النظام الجديد، كثير من العنف الممنهج.. قليل من الحرية والكرامة الإنسانيةraquo; ليختزل المأساة التي تعيشها المرأة المصرية في ظل الحكم الإسلامي اليوم.

وأنا أتحدث عن التجربة المصرية، لأنها الواقع الذي نعيشه اليوم أولا بأول، ونرى بأم أعيننا كيف تُتناول على لسان القادة الإسلاميين الذين يمثلون الفكر الحاكم هناك اليوم.. فقد خسرت المرأة المصرية كثيرا بعد وصول laquo;الإخوانraquo; للحكم حين تقلص عددهن من أربع وزيرات إلى واحدة فقط.. وهذا ما جنته المرأة من المغالاة في الدين والفهم المحدود جدا لدور المرأة السياسي والمجتمعي.. حتى إن صورها كمرأة مرشحة في بعض المحافظات استبدل إما بوردة أو بصورة زوجها كما قرأنا.

فإذا كانت صورتها أو وجهها عورة، فكيف سيُتعامل معها داخل البرلمان، وكيف سيُؤخذ بفكرها ورأيها؟

ظاهرة التحرش الجنسي ضد المرأة المصرية خلال تفاعل المجتمع مع التغييرات الأخيرة على الساحة المصرية وخروج النساء للتعبير عن آرائهن.. كان إهانة ما بعدها إهانة لها.. فقد كان التحرش يجري لأسباب سياسية بحتة وواضحة كما نشر في كثير من التقارير.. وذلك بهدف منعها من النزول للشارع والتعبير عن رأيها.. فإثارة الخوف بين النساء لن يتعرض لأي تحرش قد يبقيهن في بيوتهن، ويغيب صوت المرأة في الشارع المعترض على حكم laquo;الإخوانraquo;.

والمراقب لتشكيلة قيادات الإسلام السياسي في عالمنا العربي، يلاحظ غياب المرأة من واقع تفسيرات محددة للدين، والتي رفضوا بناء عليها كثيرا من الحقوق السياسية للمرأة.. مما يؤكد لنا أن تهميش دور المرأة أصبح اليوم جزءا من مشروع الإسلام السياسي، الذي بدأت ملامحه في العالم العربي.. رغم أن المسؤولية في الدول الديمقراطية مسؤولية جماعية والولاية أيضا تكون مشتركة يقوم بأعبائها مؤسسات وأجهزة مختلفة.

وقد عشت أنا بالكويت هذا الواقع سنوات طويلة عندما رفض حق المرأة السياسي داخل مجلس الأمة وخارجها لأسباب دينية بحتة، مما أخر وصول المرأة الكويتية إلى البرلمان والمناصب العليا الأخرى كوزيرة أو قاضية.. رغم أن المرأة الكويتية من أكثر النساء العربيات المؤهلات لمثل هذه المسؤوليات.

وما زال نفس المبدأ يُطرح في بعض المناصب القيادية العليا للأسف.. ولولا أن لدينا حكومة متفتحة تقدر المرأة من واقع إنجازاتها، لما وصلت إلى أي منصب حتى اليوم.. فقد بادر الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد بمنحها الحق السياسي، وأسقط داخل مجلس الأمة، عندما نوقش لأسباب دينية بحتة عندما كانت الأغلبية الإسلامية تسيطر عليه.

وبعد إعادة الموضوع إلى المجلس وبعد مناقشات مطولة جرت الموافقة عليه بصعوبة، وبعد أن ذُيّل بشرط التزام الضوابط الشرعية التي كانت مصطلحا فضفاضا قصد منه.. أن يُفسر كما يريدون هم.. ولكن وبحمد الله جرى تجاوز كل هذه الأمور.. وها هي اليوم تمارس دورها الرقابي والتشريعي والتنفيذي أيضا بكل اقتدار ونجاح.