عدنان حسين

مثل ريشةٍ في مهب الريح طارت تجربة حكم الأخوان المسلمين في مصر بعد سنة واحدة فقط. والجغرافيا بالغة الأهمية هنا، فمصر مهد الولادة وعُقر الدار للاخوان المسلمين الذين سعوا على مدى 85 سنة للوصول الى السلطة بكل الوسائل وفي مقدمتها وسائل العنف، من الاغتيالات الى محاولات الانقلاب. ولم يتورعوا لتحقيق ذلك عن التعاون مع قوى وحكومات وأجهزة مخابرات أجنبية.
وعدا عن فترته القصيرة، فان مما له دلالة مهمة أيضاً ان سقوط حكم الأخوان في مصر جاء بثورة شعبية عارمة، ذلك ان الاخوان حرصوا دائما على تقديم أنفسهم في صورة الحركة الأكثر شعبية والأقرب الى الجماهير وبخاصة الطبقات الدنيا والوسطى، وبذلوا المال واستخدموا الجوامع من أجل التقرب الى هذه الطبقات، واعدين إياها بجنة على الارض تسبق جنة السماء.
كيف سقطت تجربة الإخوان بهذه السرعة؟ .. التاريخ مهم، وسقوط تجربة الاخوان في مصر حدث في الثلاثين من يونيو(حزيران) الماضي وليس بعد ذلك بثلاثة أيام (3 يوليو/تموز الحالي). ففي ذلك اليوم نزلت جماهير الطبقات الدنيا والوسطى بعشرات الملايين الى الساحات والشوارع في المدن والقرى المصرية، مطالبة برحيل الاخوان عن السلطة، وعاقدة العزم على المرابطة سلمياً حتى تحقيق ذلك الهدف. وقيادة الجيش المصري لم تقم بانقلاب عسكري في الثالث من تموز، كما يُصور الاخوان وامتداداتهم في الخارج، وانما هي تحرّكت لانهاء عملية سقوط حكم الاخوان في أقصر مدة حقناً للدماء التي ما كان الاخوان سيتورعون عن سفكها.
تجربة الاخوان طارت كما الريشة في مهب الريح لأنها كانت فاشلة فشلاً ذريعاً. وهي فاشلة لأن الاخوان لم يكن لديهم برنامج لإدارة الدولة والمجتمع. كان همّهم الأكبر هو الوصول الى السلطة ملوحين بشعار quot;الاسلام هو الحلquot;. وبعد سنة لم يظهر للمصريين أي ملمح من ملامح الحل، اسلامياً كان أم غير اسلامي، فكل ما حدث على مدار السنة هو اجراءات اعتباطية مرتبكة أثارت أعمق الانقسامات في المجتمع وأوصلت الاقتصاد الوطني الى حافة الانهيار وزعزعت أركان الدولة.
الاخوان المسلمون أول وأكبر حركات الاسلام السياسي وأكثرها خبرة في العمل السياسي.. ومن رحمهم خرجت وعلى غرارهم نشأت كل الحركات والاحزاب الاسلامية التي صار عددها الان بالمئات، سُنّية وشيعية، وهي جميعاً، وبخاصة التي تولت السلطة، تواجه مأزقاً شبيهاً بالمأزق الذي انتهى بالحركة الأم الى السقوط السريع المدوي. في تونس حركة النهضة مرشحة لمصير مماثل إن لم تتغير .. حزب العدالة والتنمية التركي راحت أخيراً سكرة الناس به وحلت الفكرة .. ولا استثناء للعراق، فمأزق الإسلام السياسي الذي مكنته القوات الأميركية من حكم البلاد، هو الآن بأشدّ ما يكون .. لم يقدم اسلاميو العراق، الشيعة والسُنّة، للناس سوى المزيد من الموت والخراب والفقر والجهل، متمكنين من مواصلة الحكم فقط بالمال العام المنهوب وبالحديد والنار الموضوعين في أيدي أحد زعمائهم، هو رئيس مجلس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة.
تجربة الاخوان الساقطة في مصر والتجارب الآيلة لسقوط مماثل للأولاد في تونس وتركيا والعراق وسواها، لها معنى واحد هو ان الاسلام السياسي لم يجهز بعد للديمقراطية. بل انه لن يجهز أبداً.