محمد محمود

الوصف المشترك بين معظم أجهزة الإعلام الأجنبية لما حدث في مصر يوم 30 يونيو هو أنه ldquo;غير مسبوقrdquo;، الrdquo;BBCrdquo; قالت إنه ldquo;أكبر احتشاد سياسي عرفته البشرية في تاريخهاrdquo;، وقالت الCNN الأمريكية ldquo;لو كان هذا صراعاً للقوى فإن ما شهدناه يوم 30 يونيو كان الضربة القاضيةrdquo; .

لا شك أن المراقب المدقق لما يجري على الأرض المصرية سيتوقف طويلا أمام رسم سيناريوهات ما بعد ذلك اليوم المشهود، حيث تتداخل عناصر كثيرة في توجيه الأحداث ما يفتح الباب واسعاً لأكثر من سيناريو يتحكم فيها جميعاً موقف وموقع جماهير الشعب المصري ومدى إصرارها على مواصلة الطريق إلى ما بعد حكم الإخوان، كما يتداخل معها بصورة حاسمة موقف الجيش من التطورات على الأرض، ويتبقى موقف الإخوان أنفسهم مما يجري مؤثراً في تحديد السيناريوهات المقبلة وقد فاجأهم حجم الغضب الشعبي على حكمهم وباغتتهم تلك الأعداد غير المسبوقة التي خرجت تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة، مصرة على رحيل أول رئيس مدني منتخب كما يحب الإخوان أن يصفوا رئيسهم الذي اهتزت أركان شرعيته بذلك الخروج الجماهيري الكبير في مواجهته، الأمر الذي يجمع عليه المراقبون أن يوم 30 يونيو ليس كما قبله وسيكون له ما بعده بكل تأكيد .

الشعب هو البطل الحقيقي في (30) يونيو وما بعده وقد فرض على الجميع أجندة عمل مختلفة عما تسوقه السلطة الحاكمة التي تدعو الجميع إلى الذهاب إلى انتخابات برلمانية، يتم الاحتكام فيها إلى صندوق الانتخابات ومختلفة أيضا عما تطالب به جبهة الإنقاذ المعارضة التي تلخصت مطالبها في تشكيل حكومة كفاءات، ونائب عام جديد، والتوافق على قانون انتخابات مجلس النواب بما يضمن نزاهتها ولم يكن مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة مطروحا على ldquo;جبهة الإنقاذrdquo; إلى أن حسمت ملايين التوقيعات على استمارة ldquo;تمردrdquo; الموقف كله، وبعد خروج الجماهير الموقعة وانحياز الجيش إلى مطالبها أصبحت هذه هي نقطة البداية التي تنطلق منها سيناريوهات ما بعد 30 يونيو .

الموقف الأبرز والأهم بعد الخروج الكبير للجماهير في يوم التمرد هو موقف الجيش المصري الذي وصفه بيان ldquo;حركة تمردrdquo; بأنه بيت الوطنية المصرية، وأصبح مصير الرئيس محمد مرسي معلقاً بين إنذارين، جاء الأول من قيادة جبهة 30 يونيو التي تعبر عن جموع الشعب الغاضبة في الميادين أمهلت فيه الجبهة الرئيس الإخواني حتى الخامسة مساء يوم الثلاثاء الماضي ليقوم بالتنحي عن الحكم، وإلا فستعلن حالة العصيان المدني في جميع أنحاء البلاد وجاء الإنذار الثاني من قيادة القوات المسلحة في بيان محكم الصياغة وغير مسبوق في العلاقة بين الرئيس والمؤسسة العسكرية، ما دفع البعض إلى القول إن نظام مرسي قد سقط، وإن مطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة قد تم تجاوزه بمراحل . وأن ما سيتم العمل عليه حالياً هو ldquo;ترتيب أوضاع البلاد بشكل مختلف وبخريطة مستقبل مغاير لما هو مطروح على الأجندة الرئاسيةrdquo; .

ولا شك أن وجود جماهير الشعب المصري في الشوارع والميادين صنع وقائع جديدة على الأرض، أولها القضاء على المستقبل السياسي للرئيس محمد مرسي الذي لم يعد يصلح من كافة النواحي أن يستمر كرئيس جمهورية، وهو بالفعل الآن لا يقوم بصلاحيات المنصب ويمارس لعبة الفرصة الأخيرة متمسكاً بشرعية الصندوق الذي أتى به رئيساً للبلاد، متغافلا شرعية الملايين التي خرجت تطالب برحيله الفوري عن سدة الحكم وبدا في بيان صدر عن رئاسة الجمهورية مشككا في أحقية الجيش في اتخاذ أية إجراءات في مواجهته في الوقت الذي عرف على مستوى إعلامي أن القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، يتفاوض معه وديا للخروج بنفس الطريقة التي خرج بها مبارك .

ثاني الوقائع الجديدة على الأرض بعد 30 يونيو أن الإخوان خسروا الفرصة الذهبية الوحيدة التي جاءت تسعى إليهم في ظل ظروف غير طبيعية ليتصدروا المشهد السياسي المصري، ويتولى مرشحهم للرئاسة سدة الحكم، ولكنهم سرعان ما خسروا فرصتهم وجيشوا الجميع في معارضتهم، فاجتمع عليهم ثوار يناير مع فلول النظام السابق مع كل أطياف المجتمع المدني بمنظماته وقواه الحية ليجدوا أنفسهم من جديد على أبواب الخروج من السلطة والدخول إلى المنطقة المحظورة التي يبدو أنهم ألفوا العيش فيها طويلاً .

خيارات الإخوان محدودة وربما ليس أمامهم غير خيارين فقط، أولهما يبدأ بالتسليم لمطالب الأغلبية الساحقة للشعب المصري وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وهو خيار يتيح لهم فرصة للإبقاء على الجماعة وحجز مكان لها في الحياة السياسية المصرية في المستقبل، وهذا لن يحدث إلا بتحرك نوعي من شباب الإخوان ليضغط من اجل استبعاد وإقالة قيادات مكتب الإرشاد التي فشلت في قيادة سفينة الإخوان في أهم واخطر فترة في تاريخها الطويل وتصعيد قيادات التيار المعتدل بدلا منها لإعادة التواصل مع المجتمع على أسس جديدة .

الاختيار الأسوأ والكارثي للتنظيم الخاص المسيطر على الجماعة هو البقاء داخل دائرة الإنكار والتعامي عما يجري والمراهنة على عنصر الوقت، ومثل هذا الخيار لن يكون تأثيره سلبيا فقط على المجتمع الذي سيدخل في هذه الحالة في مواجهة بالدم بين أبناء الوطن الواحد، ولكن الخاسر الأكبر منه هم الإخوان أنفسهم وسيكون بمثابة انتحار سياسي وأخلاقي ووطني للجماعة لا يمكن أن تتعافى منه في المستقبل المنظور .

حتى كتابة هذه السطور كان الموقف تتجاذبه العناصر المؤثرة في صياغة سيناريوهات ما بعد 30 يونيو، الشعب يصر على مواصلة المطالبة برحيل حكم ldquo;الإخوانrdquo; وrdquo;الإخوانrdquo; من ناحيتهم يحاولون الالتفاف وتحضير الأجواء لعقد الصفقات التي تبقيهم داخل المشهد السياسي عنصراً فاعلاً، وبينما دعت القوى المعارضة إلى مليونية الإصرار دعت القوى المتحدثة باسم الدين إلى مليونية التشبث وبين المليونيتين ستتحدد خريطة الحوادث وطبيعة السيناريوهات المحتملة لما بعد 30 يونيو .

مصر أمام سيناريوهين خلال الأيام القليلة المقبلة أولها: أن يذعن الرئيس لمطالب المعارضين ويدعو لانتخابات رئاسية مبكرة، والبديل عن ذلك أن يقوم الجيش بإعلان دستوري وهذا أمر متوافق عليه من جميع مؤسسات الدولة من جيش ومخابرات وأمن قومي، وكذلك جهاز الشرطة .

السيناريو الثاني: أن ترتفع وتيرة العنف بين المؤيدين للرئيس والمعارضين لاستمراره في جميع أقاليم مصر، منذرة بحرب أهلية، ما يؤدي إلى تدخل خشن من الجيش وإعلان حالة الطوارئ، وبدء مرحلة انتقالية جديدة لا أحد يمكنه التنبؤ بملامحها .

معدلات العنف مرشحة للزيادة إذا ما ركب الإخوان رؤوسهم خاصة في ظل أجواء مصرية معبأة باحتقان شديد، ولن تمهل الرئيس وقتاً كبيراً، إذ يبدو أن الرأي العام خاصة بعد بيان الجيش أصبح لا يقبل بديلا عن خروج مرسي والإخوان من الحكم وقيادي بحزب النور السلفي رأى أن في حالة الصدام سينحاز الشعب بأجمعه للجيش، وسيكون انتحاراً سياسياً ودعوياً وتابع القيادي بحزب النور: ldquo;دخول التيار الإسلامي في مواجهة مع عموم الشعب فضلاً عن الجيش هي مواجهة خاسرة معلومة العواقب، وللأسف لا يتعلم البعض من تجارب الزمن، ومن يظن أن التيار الإسلامي يمكنه أن يواجه شعباً بأجمعه فهو واهم، والصدام مع الشعب أو الجيش يعني دماء بلا فائدة وسيسقط الرئيس بعدها لا محالة فضلاً عن الخسارة الدعوية في الشارع التي قد تمتد عقوداً .

ثمة خطورة مؤكدة في بقاء مرسي في الحكم، ليس فقط بسبب ما يتهمه به معارضوه من سوء أدائه وفشله الذي يسارع بانهيار مصر وتحويلها إلى دولة فاشلة، ولكن لأنه في حالة خروجه من هذه الأزمة وهو في موقعه كرئيس للجمهورية يعني أنه سيكون عليه أن يسدد فواتير من ldquo;آزروه وناصروه في ساعة العسرةrdquo;، وهم بعد 30 يونيو، لم يعودوا أهله وعشيرته من أبناء الجماعة فقط، فقد انضم إليهم إرهابيون قدامى ودعاة عنف باسم الدين . وستتحول الجماعة كما قال نادر بكار المتحدث باسم حزب النور السلفي إلى ldquo;وحش كبيرrdquo; . ويتحول الرئيس المنتخب إلى طاغية، وسيغريه ما يظن أنه انتصار على معارضيه من ldquo;العلمانيين والشيوعيين والفلول والأقباطrdquo;، على المضي قدما في مخطط جماعته للسيطرة على الدولة ومؤسساتها، وخصوصاً في الجيش والقضاء والإعلام .

استقالات عدد من الوزراء والمحافظين ونواب التيار المدني من مجلس الشورى ضيقت على الرئيس محمد مرسي خيارات الحل، فهي بمثابة اعتراف رسمي من داخل حكومة قنديل بشرعية مطالب الشارع المصري الذي يبدو انه هو البطل الحقيقي الذي سيضع بصمته على السيناريوهات المحتملة خلال الأيام المقبلة .