عدنان حسين

من دون أن يقصدوا بالتأكيد، وبخلاف ما يرغبون فيه، يعمل حزب الإخوان المسلمين في مصر معروفاً كبيراً ويُسدي خدمة مجانية لخصومه ومعارضيه بالإصرار على التمسك بمحمد مرسي رئيساً لمصر واعتباره الشرعية الوحيدة، وتحريم التعامل مع النظام الجديد الذي نشأ بعد الثورة المصرية الثانية في 30 حزيران (يونيو) الماضي، والعمل داخلياً وخارجياً لأسقاط هذا النظام.
حزب الإخوان يُفرّط في الواقع بفرصة ذهبية متبقية له للبقاء على قيد الحياة، فيما موقفه الحالي لا يؤدي الا الى نبذه سياسياً واجتماعياً. هو لا يريد ادراك انه خاض تجربة فاشلة وان عليه دفع ثمن الفشل. ولو لم يكن فاشلاً في تلك التجربة ما تحرّك أحد ضده، بدليل ان الحزب التركي الابن أو الشقيق (حزب العدالة والتنمية) بزعامة رجب طيب اردوغان ظل يكتسب شعبية متصاعدة سنة بعد أخرى لفترة غير قصيرة منذ توليه السلطة في 2002 مع كل نجاح يحققه، لكنه عندما بدأ يتصرف على نحو خاطئ في السنة الأخيرة جوبه بحركة احتجاج واسعة النطاق، وزاد من فشله انه ارتكب الخطأ الشنيع باستخدام القوة ضد المحتجين، ما أمدّ في عمر حركة التحدي والاحتجاج حتى اليوم، وقد تكون هي سبباً في هزيمته في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي شهدت دول أوروبا الشرقية التي كانت تتبنى النظام الاشتراكي حركة شعبية للانتقال الى النظام الديمقراطي. كان الشيوعيون وقتئذ مازالوا يتمتعون بقوة شعبية (حزبية) ويسيطرون على القوات المسلحة في بلدانهم، وكان في إمكانهم تجربة وسائل القمع في مواجهة تلك الحركة، بيد انهم اختاروا أن يحتكموا الى العقل ويرضخوا للأمر الواقع وينحنوا أمام عاصفة الديمقراطية. وضَمِن لهم ذلك ألا تُتخذ ضدهم إجراءات تعسفية وأن يبقوا أحياء في الساحة السياسية والاجتماعية، وتبنّت أحزابهم المفاهيم الديمقراطية ودخلت حلبة اللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وقد مكّنهم ذلك من العودة إلى الحكم غير مرة في عدد من بلدانهم، وهم يلعبون الآن أدواراً سياسية ملموسة هناك.
هذا الخيار الشيوعي متاح الآن أمام الإخوان المسلمين في مصر وفي غيرها. عليهم أن يقبلوا بان يدفعوا ثمن الأخطاء والخطايا التي ارتكبوها خلال سنة وأكثر في مصر، وأن يفكروا بان محمد مرسي وحكومته ليسا نهاية المطاف. والأهم أن يتبنوا الديمقراطية ويتحولوا الى حزب ديمقراطي حقيقي يقبل بتبادل السلطة مع غيرهم سلمياً، فمستقبل مصر ديمقراطي.. هذا هو قرار شعب مصر منذ 25 يناير 2011 المعاد تأكيده في 30 يونيو الماضي.
بخلاف هذا يحكم الإخوان على أنفسهم بالاعدام، ويحققون لخصومهم ومعارضيهم ما يرغبون فيه، وهو خروجهم مرة والى الأبد من الحياة السياسية والاجتماعية، والبكاء على الاطلال. والواقع انهم لن يجدوا أطلالاً يبكون عندها لأنهم لم يخلّفوا شيئاً غير سوء التصرف والإدارة.