هيثم مزاحم

كان لافتاً وصف الرئيس السوري بشار الأسد الانقلاب على الرئيس المصري محمد مرسي بأنه laquo;سقوط لما يسمى الإسلام السياسيraquo;. وإذا كان موقف الأسد مفهوماً من الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين التي تقاتل النظام السوري منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، فلعله لم يلتفت إلى أن الإسلام السياسي يشمل حلفاءه الإسلاميين الشيعة في إيران والعراق وlaquo;حزب اللهraquo; والذين يدين لهم في صمود نظامه في حربه ضد المعارضة المسلحة والمقاتلين الأجانب. فإيران نظام إسلامي قائم على مبدأ الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه منذ انتصار الثورة عام 1979، وهي تزعم أنها أطلقت laquo;الصحوة الإسلاميةraquo; في العالم الإسلامي، والتي تحولت إلى إحيائيات أصولية سنّية وشيعية، تتفق عموماً على رغم خلافاتها المذهبية والفكرية والمنهجية على إقامة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة.

ولا تعني قيادة إيران للإحيائية الإسلامية العالمية منذ الثمانينات وحتى بداية القرن الحادي والعشرين، أنه لم تسبقها إلى ذلك حركات إحيائية سنّية كانت رائدة في الدعوة إلى الحكومة الإسلامية و laquo;حاكمية اللهraquo; وتطبيق الشريعة، من أبي الأعلى المودودي في باكستان إلى الإمام حسن البنا وتأسيس laquo;جماعة الإخوان المسلمينraquo; في مصر وفكر سيد قطب في الستينات الداعي إلى laquo;الحاكميةraquo; واعتبار الدولة والمجتمع laquo;جاهليةraquo;. بل إن الحركة الإسلامية الإيرانية منذ آية الله كاشاني ونواب صفوي مؤسس حركة laquo;فدائيي إسلامraquo; في الخمسينات إلى الإمام الخميني قد تأثرت بفكر المودودي و laquo;الإخوانraquo; وسيد قطب. حتى أن المرشد الحالي للجمهورية الإسلامية علي خامنئي ترجم بنفسه في السبعينات بعضاً من كتب سيد قطب إلى الفارسية، وساهمت هذه الكتابات في تعبئة الشباب الإيراني ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي.

ويؤكد laquo;الإخوان المسلمونraquo; في مذكراتهم أن نواب صفوي زار القاهرة عام 1954 والتقى مرشد الجماعة آنذاك عمر التلمساني في منزل سعيد رمضان، صهر حسن البنا ومساعده، فضلاً عن وجود علاقة وثيقة كانت قائمة بين laquo;الأخوانraquo; وآية الله الكاشاني، الزعيم السابق للحركة الإسلامية الإيرانية، في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، حيث وضع الطرفان برنامجاً للتعاون والتنسيق لقيام الدولة الإسلامية وتأييدها من الجميع في أي مكان تقوم فيه.

وحين انتصرت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، جمع laquo;التنظيم الدولي للإخوان المسلمينraquo; عدداً من قياداته في مختلف الدول العربية وركبوا طائرة خاصة توجهت إلى طهران لتهنئة المسؤولين الإيرانيين الإسلاميين وبحث سبل التنسيق معهم. وينقل البعض أن المراقب العام للإخوان في سورية آنذاك مصطفى السباعي كان عرض على الخميني مبايعته خليفة للمسلمين إذا اتخذ موقفاً معارضاً للنظام السوري.

وهكذا كان الخلاف بشأن الموقف من النظام السوري أبرز خلافات laquo;الإخوانraquo; مع laquo;الجمهورية الإسلامية الإيرانيةraquo; عام 1979 وهو خلاف تجدد بعد انتفاضات laquo;الربيع العربيraquo; عام 2011، ليكون الخلاف الأبرز بين الجانبين، سواء مع laquo;إخوانraquo; مصر بعد وصولهم إلى السلطة وانتخاب مرسي رئيساً، أو مع حركة حماس الفلسطينية التي دعمتها إيران بالمال والسلاح والخبرات الأمنية والعسكرية والإعلامية.

والمفارقة أن بعض قيادات الإخوان أشار إلى مساهمة إيران في إسقاط حكم مرسي، سواء عبر دعم جبهة الإنقاذ المعارضة وتمويلها، وتحديداً حمدين صباحي زعيم laquo;التيار الشعبيraquo;، أو عبر توجيه الإعلام الموالي لإيران حملة قاسية ضد laquo;الإخوانraquo; والترويج لحملة المعارضة ضدهم وصولاً إلى دعم هذا الإعلام لحركة laquo;تمردraquo; وانقلاب 30 حزيران (يونيو).

وعلى رغم الخلاف بين laquo;الإخوان المسلمينraquo; المصريين وإيران بشأن سورية، إلا أن العلاقات بين الطرفين استمرت والدعم الإيراني للإخوان لم يتوقف على مدار أكثر من ثلاثة عقود. ويذهب البعض إلى أن طهران قدمت دعماً مالياً للإخوان في مصر قبل أشهر من خلع مرسي. فيما يشير البعض إلى دعم مالي إيراني لزعيم laquo;التيار الشعبيraquo; حمدين صباحي منذ ترشحه للانتخابات الرئاسية. لا شك في أن المسؤولين الإيرانيين تفاءلوا بالثورة المصرية وسقوط حكم حسني مبارك، وراهنوا على علاقاتهم القديمة مع laquo;الإخوان المسلمينraquo; ودعمهم لهم سياسياً ومالياً طوال العقود الماضية. لكن الضغوط المحلية من المؤسسة العسكرية الأمنية والقوى السلفية والضغوط الخارجية الأميركية والخليجية على laquo;الإخوانraquo; وخصوصاً بعد الحرب السورية، قد جعلتهم في موقف متردد تجاه إيران أولاً، ومن ثم في موقف معادٍ للنظام السوري ومنتقد لإيران وlaquo;حزب اللهraquo; والشيعة لاحقاً بسبب دعمهم لهذا النظام.

وبدا ذلك التردد خلال زيارة الرئيس الإيراني إلى مصر في شباط (فبراير) 2013 وتعرضه لانتقادات من مؤسسة الأزهر، فضلاً عن تعمد إهانته خلال زيارته، وكذلك في رضوخ الرئيس مرسي لضغوط السلفيين في رفض استقبال السياح الإيرانيين بذريعة الخشية من محاولة نشرهم التشيّع في مصر. ولعل الموقف الأهم الذي أدى إلى تراجع العلاقات الإيرانية ndash; الإخوانية، كان مشاركة مرسي في مؤتمر إسلامي سلفي في القاهرة في 15حزيران 2013 لنصرة الشعب السوري، حيث أعلن عن قطع العلاقات مع النظام السوري وإغلاق السفارة المصرية في دمشق، منتقداً مشاركة laquo;حزب اللهraquo; في الحرب السورية، ومتجاهلاً نعت شخصيات داخل المؤتمر لإيران والشيعة بالرافضة.

بل يذهب البعض إلى اعتبار أن موقف مرسي من النظام السوري كان نتيجة إحراجه من جانب الشيخ يوسف القرضاوي وعلماء آخرين وضغوط من السلفيين ودول خليجية، مشيرين إلى أنه لم يقطع العلاقة السياسة والاستخباراتية مع النظام السوري طيلة فترة وجوده في الحكم وقبوله بالمبادرة الرباعية.

ظهر الإرباك في الموقف الإيراني في شأن الانقلاب laquo;العسكري - الشعبويraquo; على مرسي، فهو بداية انتقد تدخل الجيش في السياسة ورفض فرض الشرعية في الشارع، داعياً إلى تجنب العنف وإراقة الدماء، ثم عاد بعد أيام ليؤكد احترام إيران لإرادة الشعب المصري، وهو موقف عام قد يحمل أكثر من تأويل، قد يبدو مؤيداً للمعارضة في ميدان التحرير، وكذلك لمؤيدي الرئيس مرسي في ميدان رابعة العدوية.

ولا شك في أن التغيير في مصر لا يأتي لمصلحة إيران وحلفائها في laquo;محور الممانعةraquo;، بل هو يصب في مصلحة laquo;محور الاعتدالraquo; (السعودية، مصر، الأردن، الإمارات العربية المتحدة) الذي تجرى محاولة إحيائه وتعزيز قوته بعناصر جديدة، تارة بالدعم المالي والاقتصادي للحكم المصري الجديد ببلايين الدولارات، وتارة أخرى بإعادة إحياء مفاوضات السلام الفلسطينية ndash; الإسرائيلية في مسعى للتوصل إلى حل للقضية وسحبها من laquo;محور المقاومةraquo; والإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسنّي.

واللافت أن حركة حماس الإخوانية، والتي تركت ذلك المحور نتيجة اصطفافها في تحالف إخواني (مصر - تونس - تركيا ndash; قطر)، قد وجدت نفسها اليوم بعد الانقلاب على مرسي والحملة ضدها من جانب النظام المصري الجديد محاصرة بفعل الانقلاب في مصر والتضييق على معابر قطاع غزة، بعد تدمير الأنفاق. من هنا تعمل laquo;حماسraquo; على ترميم علاقتها بإيران و laquo;حزب اللهraquo; على رغم استمرار الخلاف في شأن سورية.