عاموس يدلين


الاتفاق في موضوع السلاح الكيميائي في سورية، الذي تحققrsquo; بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف كان محاكا جيدا. يبدو ان الامريكيين كانوا حازمين للوصول الى اتفاق فقط، اذا ما اتسم بمعايير متشددة في كل المسائل الجوهرية لنزع السلاح الكيميائي في سورية.


1. غاية الاتفاق هي التصفية التامة للقدرات الكيميائية السورية بكل عناصرها: المواد، الرؤوس المتفجرة ثنائية الاستخدام، منشآت الانتاج، مواقع التخزين والوحدات المستخدمة له.
2. لتحقيق العملية تقرر جدول زمني قصير ومتشدد. فقد خصص اسبوع للتقرير، شهر ونصف الشهر لحضور المراقبين والرقابة في المواقع، وتسعة اشهر لانهاء عملية النزع. 3. القرار يفترض أن يلقى السند بقرار من مجلس الامن (بالفعل مع امكانية فيتو روسي لاحقا)، يتضمن العمل استنادا الى lsquo;المادة السابعةrsquo; من ميثاق الامم المتحدة التي تسمح بفرض العقوبات، بل واستخدام القوة العسكرية لفرض القرار.
4. حرم الروس من حق الاستئناف على الخطة الامريكية الروسية، وهم لا يمكنهم ان يطرحوا شروطا على تنفيذها.
ان معنى هذا الاتفاق الشامل، اذا ما تحقق، هو ان الاطراف الاربعة سيخرجون من الازمة منتصرين مثابة اتwin/win/win/win/ situationب. روسيا، التي قادت الخطوة قبيل بلورة الاتفاق، عادت عمليا الى مكانة مساوية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط؛ الولايات المتحدة برئاسة ادارة اوباما لم تتجه الى خطوة عسكرية، والاتفاق منحها مخرجا سياسيا ـ دبلوماسيا، مع انجاز استراتيجي ذي مغزى؛ نظام بشار الاسد في سورية نجح في منع ضربة عسكرية أمريكية أليمة، وتلقى عمليا االاذنب بمواصلة الصراع ضد الثوار وقتل المواطنين بكل وسيلة يختارها، باستثناء السلاح الكيميائي؛ وعن اسرائيل سيزال ربما التهديد بعيد السنين بالسلاح الكيميائي، بحيث يمكنها أن تتحرر ايضا من العبء المالي الذي ينطوي عليه تزويد المواطنين بكمامات الغاز. ومع ذلك، في هذه المرحلة الاولية من التقدم نحو حل مسألة السلاح الكيميائي السوري سجلت ايضا ضحيتان للاتفاق.
1. العدالة والاخلاق ـ لقد اختارت القوى العظمى عدم الانشغال بالحل الشامل للحرب الاهلية والقتل المستمر في سورية. بشار الاسد، المسؤول عن قتل اكثر من مئة الف مواطن سوري، ضمن امور اخرى بواسطة استخدام سلاح الدمار الشامل ـ لم يعاقب. ويبدو أنه تلقى حتى إذنا غير مباشر بمواصلة القتل.
2. المعارضة السورية وكل اولئك الذين يعتقدون ان نظام الاسد غير جدير بمواصلة الحكم في سورية، وانه يجب اسقاطه لاعتبارات استراتيجية (المس الخطير بالمحور الراديكالي) واخلاقية. وتجدر الاشارة الى أن قائمة المنتصرين والمهزومين قد تتغير اثناء المساعي لتطبيق الاتفاق، فمن يجعل ميزان الربح والخسارة النظري، صحيحا حتى يوم الغفران الحالي، موعد التوقيع على الاتفاق، من شأنه ان يخطئ في اصدار حكم سابق لاوانه.
الرئيس الاسد ونظامه سيفقدان منظومة استراتيجية، كانت في نظرهم بوليصة تأمين امام تهديدات داخلية وخارجية، فاذا ما سلم سلاحه الكيميائي سيفقد النظام القدرة على ردع الخصوم ووقف القوى المتطلعة الى اقتلاعه من دمشق.
في ضوء ذلك، من المتوقع ان يستعمل الاسد كل ما في وسعه كي يخرب على العملية ويبقي في يده قدرة كيميائية تنفيذية في ظل الاخفاء والخداع. كل هذا، في محاولة لتقليص الثمن الذي فرض عليه مقابل تأخير الهجوم الامريكي. في الماضي لم يتردد الاسد في الكذب والتضليل لافضل الدبلوماسيين من اوروبا والولايات المتحدة، ممن اجروا معه الاتصالات. وقد تنكر لمسؤوليته عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، وسلسلة من كبار المسؤولين اللبنانيين الاخرين، تنكر لوجود برنامج نووي في سورية ووجود منظومة سلاح كيميائي (!) في سورية، وكذا لنقل سلاح متطور الى حزب الله. كما أن وزير الخارجية الامريكي كيري، الذي في منصبه السابق كرئيس للجنة الخارجية في مجلس الشيوخ الامريكي اكثر من زيارة دمشق والبحث مع الاسد في المسيرة السلمية، هو الاخر كان ضحية لاكاذيب الاسد، ولا سيما تنكره لنقل صواريخ اسكاد الى حزب الله. وقد اجيبت اسئلة السيناتور كيري في هذا الشأن بالنفي المطلق، بكل وقاحة.
تقارير افادت بان الاسد ينقل هذه الايام سلاحا كيميائيا الى العراق ولبنان، بدت بقدر اكبر كحرب نفسية من جانب المعارضة السورية ضد النظام وضد الاتفاق. فلا منطق من النقل الى العراق: فالمحافل المتحكمة بالحدود السورية العراقية هي سُنية ثوار سوريون خصوم للاسد وليس واضحا من الذي سيتسلم السلاح الكيميائي السوري في العراق. وبالمقابل، يوجد منطق كبير في نقل السلاح الكيميائي الى حزب الله. فالمنظمة تشكل خلفية آمنة نسبيا لنظام الاسد. وفي هذا السياق يجدر بالذكر ان السلاح الكيميائي في لبنان يشكل بالنسبة لاسرائيل خطا أحمر، وانه حسب مصادر في البنتاغون، عملت اسرائيل مؤخرا عدة مرات للتشويش على نقل السلاح المتطور السوري، الايراني او الروسي من سورية الى حزب الله.
اذا كيف سيطبق الاتفاق لتنظيف سورية من السلاح الكيميائي؟ ذلك يحتمل ثلاثة سيناريوهات مركزية، ستكون لها نتائج استراتيجية مختلفة تماما:
السيناريو الاول: سير العملية حسب الخطة المتفق عليها: في غضون اسبوع يبلغ النظام السوري بكل ما يحتاج الى التبليغ، وتصادق اجهزة استخبارات رائدة في العالم على أن التقرير صحيح؛ وحتى نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2013 تتشكل قوة مراقبين مهنية ومصممة تدخل الى سورية وتحظى بالتعاون الكامل من جانب النظام، والحصانة من هجمات قوات المعارضة. وتصل هذه القوة الى كل المواقع ذات الصلة، التي توجد تحت سيطرة النظام، تعثر على المواد ووسائل الانتاج للسلاح الكيميائي وتعالجهما. وحتى منتصف 2014 يدمر او يخرج من سورية كل عنصر كيميائي، كما يصف الاتفاق. احتمالات تحقق هذا السيناريو، اذا ما استمر الاسد في التصرف مثلما فعل في الماضي، منخفض. ويطلق الادعاء بان الرئيس الاسد فهم ان استخدام السلاح الكيميائي يعرض نظامه للخطر اكثر مما يجديه نفعا. واذا كان هذا الادعاء، الذي يتعارض مع سلوك الاسد في الماضي، صحيحا، يحتمل مع ذلك أن يتحقق هذا السيناريو.
في الطرف الاخر من السلم يوجد سيناريو، بموجبه يفعل الاسد كل شيء كي يعرقل عملية النزع ويميت الاتفاق. وذلك بدعم هادئ من روسيا. فالاسد الذي تصدى في الماضي لتحدي ابعاده عن لبنان عاد الى هناك بعد أن ركز العالم على ازمات اخرى ووقف على مدى سنوات طويلة في وجه ضغوط امريكية بعدم السماح بعبور جهاديين الى العراق. وهكذا، يقدم النظام تقارير جزئية في محاولة لاخفاء بعض من المنظومة الكيميائية الى أن يمر الغضب، ويستخدم اعذارا مختلفة لتأخير الجدول الزمني ويجعل صعبا جدا نشاط المراقبين مثلما فعل مع عمل أجهزة الرقابة من الجامعة العربية والامم المتحدة منذ 2011. وسيتعاون الروس من جانبهم مع الاسد بشكل يذكر بتضامنهم، حتى ما قبل اسبوع من بلورة الاتفاق، مع زعم الاسد بانه لم يستخدم على الاراضي السورية سلاحا كيميائيا، واذا ما استخدم فان الثوار هم الذين قاموا بذلك. وحسب هذا السيناريو، سيتمتع الروس بوقف الهجوم الامريكي، بعودتهم الى اللعبة في الشرق الاوسط، وكذا من استمرار العلاقة مع النظام الحاكم في سورية. احتمال تحقق هذا السيناريو هو الاخر منخفض.
السيناريو الثالث يتناول وضعا متوسطا بين الامكانيتين اعلاه. في هذا السيناريو المعقول يحترم الروس التزامهم للولايات المتحدة، والاسد يعمل بحذر أكبر وبشكل اقل فظاظة كي يبقي بيديه منظومة كيميائية. وسيحاول الاسد انقاذ قسم من المنظومة، يمتنع عن التقرير الكامل، يؤخر دخول المراقبين وينغصrsquo;عليهم عملهم. ولكن كلما تلقى توبيخا روسيا او فهم بانه يستدعي قرارا شديدا من مجلس الامن ضده او هجوما عسكريا امريكيا، سيعود الى التعاون الاكبر. احتمال هذا السيناريو عال.


السيناريو الاول لا يضع تحديات للغرب في المجال الكيميائي. ومع ذلك، فانه سيلزم الغرب بتقديم جواب لمسألة استمرار القتل في سورية بوسائل تقليدية، اتخاذ موقف من مستقبل نظام الاسد وكذا بالنسبة لطابع الدعم للثوار من غير المجاهدين. ولا يتناول الاتفاق الكيميائي مسيرة lsquo;جنيف 2prime; وهو بالضرورة لا يمنع تقدمها. واذا ما استمرت المسيرة يحتمل أن يسمح الروس بابعاد الاسد ومقربيه عن الحكم في ظل الوعد باستخدام النظام القائم، مع بعض الاصلاحات حماية لمعقلهم في سورية.
اما السيناريو الثاني فسيعيدنا الى lsquo;نقطة الصفرrsquo;: الرئيس اوباما ووزير الخارجية كيري أعلنا بانهما لن يساوما في عدم تطبيق الاتفاق، وان خيار الهجوم لم ينزع عن الطاولة. ومن هنا، ففي ضوء الخرق الفظ للاتفاق الذي يدعم بمعلومات استخبارية مناسبة، ستعود الادارة لتنظر في مسألة الهجوم، الذي ستكون له في حينه شرعية أكبر، سواء في نظر الجمهور الامريكي ام من ناحية الاسرة الدولية. وعلى أي حال فمن المتوقع في مثل هذه الحالة ان يستخدم الروس حق النقض الفيتو على قرار مجلس الامن في هذا الشأن وستضطر الولايات المتحدة الى العمل من دون اذن صريح من القانون الدولي وبشكل احادي الجانب، بمعنى، ان تتخذ اجراءات سعى الرئيس الى الامتناع عنها في الاسابيع الاخيرة.
السيناريو الثالث هو الاكثر اشكالية، فمثل حلفائه الايرانيين يمكن للاسد أن يناور بحذر والا يخلق ذريعة لـrsquo;تحطيم الاوانيrsquo; وقرار بالهجوم. فعملية اخلاء وتدمير المواد الكيميائية ستصطدم بمصاعب كبيرة. وسيجد المراقبون صعوبة في خلق اجواء عمل آمنة وسيعانون من هجمات lsquo;عناصر مسلحةrsquo; غير معروفة (الامم المتحدة وقوات حفظ السلام غير معروفين بتصميمهم في مواجهة الارهاب والنار). وعلى خلفية انعدام الادلة القاطعة في أن الاسد هو الذي يخرب تطبيق الاتفاق، سيجد الغرب صعوبة في استعادة الخيار العسكري ونقل رسالة واضحة وصادقة في حال استخدامه هو المرحلة التالية.
lsquo;الفيل الكبير الذي في الغرفةrsquo; هو بالطبع ايران. وكل سيناريو يتطور في سورية سيدرسه الايرانيون جيدا، مع التشديد على مصداقية الخيار العسكري الامريكي، مصداقية الخطوط الحمراء للرئيس اوباما، مدى دعم الجمهور الامريكي للخطوة العسكرية، معنى السلوك الروسي (الحرص على بقاء حليفه او الحرص الحقيقي على عدم انتشار اسلحة الدمار الشامل).
وسيدرس الايرانيون جيدا رد فعل الاسرة الدولية على عدم التعاون السوري في موضوع السلاح غير التقليدي من جهة واستمرار القتل التقليدي غير مكبوح الجماح من جهة اخرى. وللاستنتاجات التي يستخلصها النظام في طهران كنتيجة لدراسة هذه المواضيع ستكون، بلا شك، آثار على استمرار التصدي لتقدم ايران نحو استكمال برنامجها النووي العسكري.

صحف عبرية
نظرة عليا