عبدالله بن بخيت


بعد الاعتداءات على برجيّ التجارة في نيويورك فيما يعرف ب 9\11 تدفقت التحليلات والتخمينات من انحاء العالم. كان لنا كمسلمين وعرب نصيب كبير. منذ اللحظة الأولى والشكوك صارت تحوم حول الأشواس الذين يطوفون العالم بأحزمتهم الناسفة تحت ذريعة الجهاد. في ذلك الحين لم ينضج مفهوم الإرهاب. كان كل عمل إرهابي معزولا عن الآخر، ويتم التعامل معه بشكل منفرد. في تحليل الإرهاب الدولي كنا نربط بين القضايا. نحاول أن نجد علاقة بين ضرب أمريكا وبين أعمال أمريكا. في ذلك الحين ما كان يمكن الدفاع عن أمريكا ولا يمكن لأحد أن يصدق ادعاءات أمريكا وتبريراتها فضلا عن دعاواها الإنسانية.

انساقت تحليلاتنا حتى ربطت تفجيرات منهاتن بالقضية الفلسطينية. ينطوي هذا الاتجاه على وجاهة ومنطق. فأمريكا هي الحامي لغطرسة إسرائيل وهي التي تمنع الحل العادل وهي التي سحبت أوراق القضية الفلسطينية من الأمم المتحدة إلى آخر المساوئ الأمريكية التي لا تعد ولا تحصى في كل شيء. لاحظنا أن الأمريكان مسؤولين وكتابا يرفضون رفضا قاطعا ربط تفجيرات منهاتن بإسرائيل أو إقحام اسم إسرائيل في القضية من حيث المبدأ. لا يمكن لأحد أن يفسر هذا الموقف الأمريكي إلا بالعودة إلى اللوبي الصهيوني الذي يسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية. كنا نحتج ونكتب أن القضيتين مترابطتان على أساس أن معظم القتلة من الشرق الأسط. والشرق الأوسط ليس له قضية تدفع إلى مثل هذا التهور المروع مثل القضية الفلسطينية. فالقضية الفلسطينية تراكم من اليأس والهزيمة والشعور بالمرارة والإذلال. ولكن الامريكان كانوا يرفضون هذا المنطق ولا يقبلون أي ربط بين هذه الجريمة وبين أي قضية أياً كانت.

ذهبت الأيام وحدثت انفجارات مشابهة في أماكن متعددة، لندن، مدريد، الرياض، الجزائر، اليمن .. الخ. بدأ الغباء ينقشع عن عقولنا. فهمنا أن التفجيرات لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية. من يريد أن يحرر فلسطين لا يمكن أن يفجر في الرياض أو صنعاء أو مدريد.

راحت الادعاءات والأكاذيب ولكن بقيت الخدعة الإعلامية تعمل بنجاح مستمر بين البسطاء. تبرير الجريمة بجريمة.

عندما ندين الجريمة الشنعاء على المستشفى في اليمن يأتي من يقول لكنكم تنسون طائرات الدرون التي تقصف المدنيين (المسلمين) ثم يدفع بعدد من الأمثلة . لاحظوا الربط. هل الممرضة التي ثقبت الرصاصات رأسها كانت تقود الطائرة او أن لها علاقة بالأعمال الأمريكية؟

اتخذوا هذا المنهج في تبرير الجرائم. لا يمكن الدفاع عن القتلة إلا بنقل الاهتمام، وصرف التركيز إلى قضية أخرى للتضليل. ادخل على التويتر لاحظهم جميعا وانتم تعرفون من أقصد. لا يمكن ان يتحدثوا عن جريمة المستشفى إلا بعد ربطها بطائرات الدرون الامريكية.

حدثت يوم أمس جريمة إرهابية في مدينة سوشي الروسية . قتل في التفجير عدد من الأبرياء بينهم أطفال ونساء. لاحظوا من الآن فصاعدا كيف سيربطون بين هذه الجريمة وبين الموقف الروسي من القضية السورية. في كل مرة سندين فيها هذه الجريمة القذرة سوف يقودونك ويصرفون انتباهك إلى الدور الروسي في الصراع السوري. سيوحون لمريديهم ان هذه نتيجة لتلك وبالتالي يبررون للمجرمين قتل المدنيين بطريقة غير مباشرة وبراحة ضمير غير مسبوقة.