إعداد: عمر عدس وصباح كنعان


بينما يغرق العراق مجدداً في أتون صراع طائفي يعيد إلى الأذهان ما حدث إبان الاحتلال الأمريكي، بعث المحامي والناشط السياسي الأمريكي العربي الأصل رالف نادر، برسالة مفتوحة عبر وسائل الإعلام إلى الرئيس السابق جورج بوش، يحمله فيها بلهجة قاسية مسؤولية انحدار العراق إلى هاوية دموية .


وكتب يقول في الرسالة التي نشرها موقع quot;كومون دريمسquot;:


عزيزي السيد بوش:


قبل بضعة أيام، تسلمت رسالة موجهة إليّ شخصياً من مركزكم الرئاسي، مرفقة باستمارة لتقديم تبرعات . وتضمنت الاستمارة كلمات حفزتني على الرد، من مثل quot;يشرفني أن أساهم في رواية قصة رئاسة بوشquot;، وquot;أنا متحمس لأن معهد بوش يدعم مبادئ ثابتة وحلولاً عملية للتحديات التي تواجه عالمناquot; .
وفي أدنى الاستمارة، هناك تحويلات quot;مساهمات محسومة من الضرائبquot;، تبدأ بخمسة وعشرين دولاراً، ثم تزداد أكثر فأكثر .
فهل أنتم تعنون quot;المبادئ الثابتةquot; التي دفعتكم أنتم والسيد (نائب الرئيس ديك) تشيني إلى غزو العراق، الذي على النقيض من تلفيقاتكم، وتضليلكم الإعلامي وإخفائكم للحقائق، لم يهدد الولايات المتحدة أبداً؟ وما كان العراق (تحت حكم دكتاتوره وجيشه المتضعضع) ليستطيع تهديد جيرانه الأقوى منه بكثير، حتى لو أراد النظام العراقي ذلك .
واليوم، يبقى العراق البلد الذي دمرتموه (وهو يعادل بمساحته وعدد سكانه تقريباً ولايتكم تكساس)، والبلد الذي فقد فيه أكثر من مليون عراقي، بمن فيهم العديد من الأطفال والرضع (ألا تذكرون الفلوحة؟)، أرواحهم، وتعرض ملايين آخرون لإصابات وأمراض، واضطر ملايين آخرون لأن يصبحوا لاجئين، من ضمنهم معظم مسيحيي العراق .
والعراق بلد تنتشر فيه نزاعات طائفية، أوصله غزوكم إلى ما أصبح اليوم حرباً مكشوفة . والعراق بلد تنشط فيه القاعدة عن طريق تفجيرات تودي بأرواح ما بين 20 و60 شخصاً يومياً . وقبل أسبوع فقط، أعلنت وسائل الإعلام أن الولايات المتحدة أرسلت صواريخ جو - أرض من فئة quot;هيلفايرquot; إلى سلاح الجو العراقي لكي تستخدم ضد معسكرات quot;فرع القاعدةquot; في هذا البلد . وقبل غزوكم، لم يكن هناك وجود للقاعدة في العراق . فالقاعدة وصدام كانا عدوين لدودين .
لقد ارتكبتم أنتم وتشيني جريمة تدمير المجتمع العراقي، وما رافقها من فقدان أرواح آلاف من الجنود الأمريكيين، وتعرض أعداد لا تحصى لإصابات وأمراض، ومع ذلك لم يسجل عنكم، رغم مرور وقت طويل، أي اعتراف بارتكاب أي خطأ، ولا قبولكم تحمل المسؤولية عن عدم شرعية الأعمال العسكرية التي قمتم بها من دون إعلان حرب من الكونغرس . وذهبتم حتى إلى حد إدارة ظهركم لأولئك العراقيين الذين عملوا مع قوات الاحتلال العسكرية الأمريكية كسائقين ومترجمين وغير ذلك، ما عرضهم وعائلاتهم لخطر كبير، ودفعهم إلى طلب تأشيرات لدخول الولايات المتحدة، بدعم من عسكريين أمريكيين في كثير من الحالات . وقد سمحت إدارتكم فقط بدخول أعداد من العراقيين أقل مما سمحت به السويد خلال تلك الفترة ذاتها، وأعداد أقل بكثير من اللاجئين الفيتناميين الذين جاؤوا إلى الولايات المتحدة في سبعينات القرن الماضي .
ومنذ أن ترشحتم للرئاسة، كنت قد وصفتكم بأنكم شخصية اعتبارية تترشح للرئاسة متنكرة كإنسان . ومع مرور الوقت، حولتم هذا التشبيه المجازي إلى حقيقة . فبحكم كونكم شخصية اعتبارية تمثل شركات، لم تعبروا عن أي ندم، أو أي شعور بالخجل، أو أي إحساس بالعطف على الضحايا، ورفضتم بعناد الإقرار بأي فعل، بل أصررتم على أنكم لم تفعلوا أي شيء خطأ .
وفي الوقت الراهن، لايزال عراقيون، من ضمنهم أطفال، يموتون كل يوم أو يتعرضون لمعاناة رهيبة . وعندما بعث المحارب القديم في الجيش الأمريكي توماس يونغ الذي أصيب بشلل سفلي خلال الغزو، والذي أبلغه الأطباء بأنه لن يعيش طويلاً، برسالة إليكم في العام الماضي ليطلب منكم الإقرار بأن الكثير من الأمور التي حدثت للعديد من العراقيين والجنود الأمريكيين إنما كانت إجرامية ورهيبة، لم تتنازلوا للرد، كما لم تردوا على سيندي شيهان التي فقدت ابنها كيسي في العراق . وقد قلتم ذات يوم إن quot;الأمر الممتع في أن يكون المرء رئيساًquot; هو أنه quot;لا يشعر بأنه مدين بتقديم تفسيرات لأحدquot; . وإذ أصبحتم الآن رئيساً سابقاً، فإن شيئاً لم يتغير بالنسبة إليكم، حيث تلقون كلمات مقابل مال وفير أمام هيئات أعمال، وتطلبون من الأمريكيين مالاً لدعم عملكم quot;المستمر في الخدمة العامةquot; .
ويقول المشرفون على استطلاعات الرأي إنهم يعتقدون أن أغلبية من العراقيين سيقولون اليوم إن حياتهم أصبحت أسوأ مما كانت أيام الدكتاتورية الوحشية لصدام حسين . وهم سيقولون أيضاً إن جورج بوش ترك العراق في حالة أسوأ مما كان عندما دخله، حتى إذا أخذنا في الاعتبار العقوبات الدولية قبل 2003 التي تسببت بموت أعداد كبيرة جداً من الأطفال العراقيين وآذت صحة أعداد كبيرة جداً من عائلات المدنيين .
ومستشارتكم للأمن القومي كوندوليزا رايس قالت علناً في 2012 إنها تتحمل quot;مسؤولية شخصيةquot; عن الخسائر البشرية والدمار في العراق . فهل تحملتم أنتم مسؤولية؟
وقد كان مستشاركم في البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب ريتشارد كلارك هو الذي قال في كتابه quot;ضد جميع الأعداء: داخل حرب أمريكا على الأرهابquot; الذي نشره بعد وقت قصير من تركه منصبه، إنكم بغزو العراق إنما أديتم خدمة لأسامة بن لادن .


فهل فكرتم في سريرة أنفسكم بما فعله غزوكم للعراق بالعراقيين، وعائلات العسكريين الأمريكيين، والاقتصاد، وانتشار هجمات القاعدة عبر العديد من البلدان؟
المخلص رالف نادر


ملاحظة: مرفق بهذه الرسالة كمساهمة في مكتبة مركزكم الرئاسي كتاب quot;دولة مارقة: أحادية الجانب الأمريكية وإفلاس النوايا الحسنةquot; (2003) للكاتب كلايد بريستوفيتز الذي أثق بأنكم تعرفونه . وأرجو أن تنتبهوا إلى التعليق الإيجابي بشأن الكتاب الذي سجله الجنرال ويسلي كلارك (القائد الأعلى لقوات حلف الأطلسي في أوروبا سابقاً الذي سعى إلى الترشح للرئاسة عام 2004) على الغلاف الخارجي .