علي حسين


وانا اقرأ الحوار المثير الذي أجرته صحيفة الحياة اللندنية مع احد الناجين من سجون quot;داعشquot;.. انتابتني حالة من اليأس والحزن..يقول سيف الإدلبي، وهو طالب في جامعة حلب quot;شاركت في تظاهرة ضد النظام (السوري)، وتم اعتقالي. وبعد خروجي من المعتقل بعد شهر، بدأت في الحراك السلمي. وخططت مع شباب لتحريك التظاهرات في الجامعةquot;. ويضيف: quot;بقيت مطلوباً على حواجز النظام وطردت من الجامعة. كما أن والدي، وهو مهندس يعمل في معمل أسمنت، انشق عن النظام. وواصلت نشاطي الإعلامي في حلب وتنقلت مع والدي على الجبهاتquot;. ولم يدربخلد هذا الشاب أن ثورته ستسرق من قبل متطرفين تحولوا في لحظات إلى وكلاء باسم الله يمتحنون أناسا مساكين بعقيدتهم، سيقول البعض إن عمليات القتل والذبح هي طبيعية للصمت الخبيث إزاء ما يحدث من مجازر للشعب السوري الذي قـُتل منه حتى هذه اللحظة أكثر من 120 ألف إنسان.
منذ نصف قرن وفي لحظة إعلان quot;الجمهوريات العربية المناضلةquot; وشعوب هذه المنطقة تحولت إلى آلات حاسبة تعد كل يوم عدد القتلى والمغيبين.. ومنذ نصف قرن أيضاً وقادة هذه المنطقة أدمنوا أخبار الدماء ورائحة الجثث في الطرقات.. وأدمنوا معها مشاهد التعذيب وتعليق الخصوم في سجون المخابرات.. الجميع ينظر إلى شعبه على أنه جرذان وفقاعات!
حكاية الشاب الادلبي quot;ربما كانت جوابا على سؤال ظلت الناس تردده: إلى أين قادتنا جمهوريات الخوف؟ يكتب ألبير كامو منددا بوحشية المنتصرين: quot;يجب ألا نخلط بين آمال الحرية، والأمل النهائي في الانتصار على الظلم والكراهية والعنف.. فالحرية ليست القتل.. وأيضا ليست السلام الذي يفرض ثمنا دموياquot;.


كل ما نراه من على شاشات الفضائيات من انهيار لقيم الحياة، هو صناعة حكومية خالصة. فبأيدي قادتنا الأشاوس كتبنا أسوأ صفحات في تاريخ الإنسانية، كلهم حفظوا عن ظهر قلب خطبة موسوليني الشهيرة quot;لا مكان للعظام العفنة بعد اليومquot;..، كلهم ظلوا مشغولين بابتكار وسائل جديدة للقتل، لكن لغة الوحوش واحدة: لا مكان لأنفاس الناس.. هناك طريقان لبناء الجمهوريات الحديثة، إما القبر أو السجن. ليضيف لها دعاة تكفير المجتمع طريقة ثالثة وهي قطع الرؤوس وتعليقها. سيف في حواره مع الحياة يقول quot;وضعوا رأساً مقطوعاً في وسط الغرفة، وطلبوا من كل واحد منا حمله من أذنيه وتقدير وزنه. أما السياف المصري، فوضع سيفه على رقبة السجين الأرمني، وقال: إنها طرية ولن تعذبني كثيراًquot; طريقة نادرة من الهمجية تخصص بها القدر السياسي في بلاد العرب والمسلمين، حيث أخرجنا للبشرية خير أمة في فنون القتل والتنكيل وإنشاء مزارع لتربية هذه النوعية من الوحوش المنقرضة.. وربما لا يدري الادلبي ان سجانيه ارادوا احياء تقاليد تراثية حاول المؤرخ البغدادي عبود الشالجي ان يجمع بعضا منها في موسوعة العذاب، حيث نقرأ كيف رمى هشام بن عبد الملك، زيد بن علي في حِجر والدته؟ ورمى رأس مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، في حِجر ابنته، ورمى أبو جعفر المنصور رأس إبراهيم أخي محمد النفس الزكية في حجر والده عبد الله بن الحسن، ورمى رأس المعتز بالله في حِجر جاريته، ورمى رأس ابن الفرات في حِجر والده
تنمو القسوة وتزدهر في الظلمة، واليوم الظلمة هي الصمت الذي أصبحت فيه مشاهد قطع الرؤوس، واستخدام المنشار والدريل في تجميل أجساد البشر أمرا عاديا، وquot;كلبياتquot; الدماء التي تتفنن في بثها قناة الجزيرة واخواتها.
تكتب هيفاء البيطار في السفير وصفا لجمهورية الخوف في عهد بشار الأسد:quot;ككل سكان اللاذقية لا نتحدث في سهراتنا إلا عن انتهاكات المسؤولين الذين لا يحاسبهم أحد والذين جمعوا ثروات طائلة، وكنا نراقب فجور السلطة التي تدفع بأحد هؤلاء أن يأمر مواطناً يمشي في الشارع أن يتكوم في صندوق سيارته ويغلقه تماماً ثم يقود سيارته الهامر أو المرسيدس المُجنحة بأقصى سرعة ويعود إلى النقطة ذاتها ليخرج المواطن من القفص وهو يقهقه متأملاً وجوه الناس الذاهلة وشفاههم التي ألصقها صمغ الخوفquot;.
انظمة القمع وجماعات جز الرؤوس، لا تعمل إلا في ظل مجتمع الطوائف، أو صراع المظلوميات على اعتبار أن الإسلام غريب في هذه البلاد، وأن المسلمين مظلومون.. يتعرضون للمؤامرات.. ذلك التفسير المزيف للأزمات الذي لا يرى الواقع، لكنه يحوله إلى مبرر للحشد خلف حكومات طائفية، او جماعات إرهابية ترى في قطع رؤوس معارضيها انتصارا للدين والطائفة.