آمال شحادة


كانت الصواريخ الفلسطينية التي سقطت أخيراً في بلدات الجنوب، الرصاصة التي اطلقها الاسرائيليون امام وزير الخارجية، جون كيري، لإقناعه بأن الموقف الاسرائيلي تجاه الشروط المطروحة لاتفاق سلام مع الفلسطينيين هو الاصح. فهذه الصواريخ جاءت لتعزز الموقف الاسرائيلي، الذي يشهد نقاشاً عاصفاً في مفاوضات السلام، حول الوجود العسكري في غور الاردن. فقد اسرع وزير العلاقات الدولية، يوفال شطاينتس، ليعلن ان اطلاق الصواريخ على جنوب اسرائيل يؤكد ضرورة الانتشار العسكري من غزة، الى جانب التجمعات السكنية وعلى امتداد منطقة غور الأردن. وتم تأكيد اهمية غور الاردن في الزيارة المفاجئة التي قام بها نتانياهو الى الاردن لمقابلة الملك عبدالله الثاني، وجعل غور الاردن موضوعاً مركزياً، اذ حاول إقناعه بأن انتشار قوات اسرائيلية في هذه المنطقة هو مصلحة اردنية ndash; اسرائيلية مشتركة.

وطرح غور الاردن ليس صدفة، اذ تبين ان غضب وزير الدفاع، موشيه يعالون، على كيري، ووصفه بـ laquo;المهووسraquo; جاء في اعقاب لقاء عقدته شخصيات اميركية من طاقم موفد السلام الخاص، مارتين انديك، مع ضباط اسرائيليين في الجيش بهدف تجنيدهم لدعم الانسحاب الاسرائيلي من غور الاردن، وهو امر استفز يعالون، كوزير للدفاع، وأثار غضبه.

ووفق المعلومات التي روّج لها الاسرائيليون، فإن الاميركيين حاولوا تجنيد قائد المنطقة الوسطى سابقاً، افي مزراحي، في اطار مجموعة يقودها جنرال الاحتياط غادي شمني، الذي يقدم الاستشارة الامنية لمجموعة التخطيط التي تعمل بقيادة الجنرال الاميركي جون الين.

الولايات المتحدة قامت بهذه الخطوات لقناعتها بأنها ستكون قادرة على حل الترتيبات الامنية عبر وسائل تكنولوجية، وهو امر يرفضه يعالون وغيره من الامنيين الاسرائيليين الذين يعتقدون انه لا يمكن أية منظومة الكترونية وطائرات من دون طيار ان تسيطر على الحدود الطويلة لغور الأردن ومنع التسلل الجماعي، كما يحدث بين سيناء وغزة او بين سورية والعراق ولبنان، وفق هؤلاء الامنيين.

يعالون، وعلى رغم ما احدثته تصريحاته من غضب اميركي، كان اول من خشي من موقف يعرقل الدعم الامني لإسرائيل، وأن يتحول الى شخص سيئ تنبذه الولايات المتحدة وتقاطعه، كما سبق وتصرفت مع وزير الخارجية، افيغدور ليبرمان، حتى جاء إقرار صفقة طائرات laquo;اوسبريraquo; الاميركية في البنتاغون، لتبعث الارتياح في اسرائيل، لكنهم يدركون تماماً ان الصفقة لا تعني انتهاء الازمة، وهو ما استدعى توجيه جهات عدة نصائح الى الحكومة الاسرائيلية ويعالون لبذل الجهود واتخاذ خطوات سريعة وحاسمة لمنع فقدان اسرائيل آخر حلفائها في الغرب. بين الخبراء الذين قدموا هذه النصائح، الخبير في معهد فايتسمان، اري شبيط، الذي حذر من الاستهانة بالقوات العربية، مشيراً الى انها اليوم لم تعد تلك التي شهدناها عام 1948، والتي هددت اسرائيل عامي 1956 و1967، وهاجمتها في 1973. لكن مع هذا، فإن تهديدها العسكري لم ينته وهناك تنظيمات محيطة بإسرائيل قدراتها العسكرية تتعزز في شكل كامل، وعليه اضاف يقول: laquo;كان على وزير الدفاع عندما ينظر الى الشرق الاوسط ان يدرك ان وضع اسرائيل اليوم، من الناحية العسكرية، ليس افضل مما كان عليهraquo;.

ويتحدث الخبير الاسرائيلي عن ضرورة اتخاذ خطوات لمنع ازمة مع واشنطن، انطلاقاً من ان اسرائيل تواجه اليوم تهديدين، النووي الايراني وتهديد التنظيمات المسلحة، وقال: laquo;اسرائيل اليوم في وضع لا تحسد عليه تجاه الملف الايراني، فأي عمل تجاه ايران قد يسبب حريقاً من نوع ما، كما الاستسلام الخطير لإيران قد يشعل سلسلة حرائق من نوع آخر، وفي مقابل ذلك قد يتحدى laquo;حزب اللهraquo; اللبناني، والقاعدة السورية وحماس الفلسطينية والجهاد العالمي اسرائيل بمواجهات شديدة غير متكافئةraquo;. وعليه، يؤكد شبيط، ضرورة استمرار التفوق التكنولوجي لاسرائيل، الذي تحظى به بدعم اميركي، ويقول: laquo;إن التفوق التكنولوجي يمنح اسرائيل قوة عسكرية كبيرة تستطيع أن تواجه هذه الأخطار. لكن اسرائيل تستطيع أن تستعمل قوتها العسكرية التكنولوجية اذا كانت تُرى فقط دولة عادلة تدافع عن نفسها بصورة اخلاقيةraquo;.

ومن النصائح التي قدمت ليعالون ورئيس حكومته، التحذير من خطر ثالث يتمثل في كسر ما وصفه الاسرائيليون بـ laquo;الجليد الدقيق للشرعية الذي تخطو فوقه اسرائيلraquo;، وهو الـخطر من عزلة دولية واسعة وفقـدان الـغرب، ما يضع اسرائيل في ضـائقة كبـيرة، حتى وإن كـان وضـعـها في منطـقة الـشرق الاوسـط، افـضـل. ويقول شبـيط رداً على تصريحات شطايـنتس وزيارة نتانياهو الى الاردن وتصريـحات يعالون تجاه كيري: laquo;ان التحدي الاستـراتيجي الذي تتحتم على وزير الدفاع مواجهته يختلف عن كل ما واجهه أقرانه سابقاً، فالمشكلة هذه المرة ليـسـت قوة العرب وإنما فقدان الغرب. فوضـع اسـرائيل في العالم سـيئ جداً، واذا كان يمكنها حل قضاياها مع جيرانها، فإنها ستنتهي اذا فقدت حلفاءها في العالم. ويعتبر شبيط ان الخارجية الاميركية اهم من غور الاردن، وواشنطن حيوية اكثر من الترتيبات الامنية المطلوبة، وبالذات يتحتم على اسرائيل التعامل باحترام مع كيري وشكره على مبادرته والقول laquo;نعمraquo; لها، laquo;اذا كانت اسرائيل تريد قطع الشوط الطويل لضمان قوتها ومستقبلهاraquo;.

والواضح في اعقاب ازمة يعالون ndash; كيري ونصائح الخبراء، ان في اسرائيل شبه إجماع على ان يعالون عبّر بطريقة سوقية عن حقيقة الموقف الاسرائيلي من كيري، ويبدو ان الأميركيين يدركون ذلك ووراء الكواليس يتحدثون عن جحود اسرائيلي. لكنهم في الموضوع الأمني لا يترددون في دعم اسرائيل، وهو ما تبين من إقرار صفقة طائرات اوسبري في البنتاغون، التي يبني عليها الجيش الاسرائيلي كثيراً في هجوم محتمل على ايران وأهداف اخرى.