عزت ابراهيم

&

&المتابع لصناعة الصحافة والإعلام فى العالم الغربى يلحظ درجة من الحيوية فى طريقة التفاعل مع التطورات المجتمعية والتكنولوجية التى تمر بتغيرات سريعة كل يوم، فالصحف وشبكات التليفزيون تركز على وسائل جديدة للوصول إلى قاعدة أوسع من القراء والمشاهدين بناء على دراسات الجمهور التى لا يمكن التشكيك فى مصداقيتها بسهولة وهى أداة من أدوات المراجعة الحية للأداء،


ولا تتوانى تلك الوسائل الإعلامية فى تغيير الإتجاه عندما ترى عزوفا عن متابعة مضامين بعينها. فى الأسبوع الماضي، أقدمت صحيفة نيويورك تايمز على تعديل المسميات الوظيفية لديها حتى تواكب تقلبات سوق الصحافة والإعلام وقامت بإلغاء خدمات إلكترونية لم تحقق نجاحا رغم التوقعات المتفائلة بشأنها فى السابق وأعلنت بجرأة عن خطط لتسريح الفائض فى غرفة الأخبار حتى تجعل الصحيفة أكثر رشاقة واستحدثت وظائف تحريرية تواكب حاجة الهيكل التحريرى للإبتكار لتقدم الصحيفة الأولى فى العالم درسا فى التحديث القائم على رؤية وبصيرة فى سوق لا ترحم باتت مزدحمة بالصحف الإلكترونية والورقية. وقد كانت مجلة «نيوزويك» الشهيرة سباقة فى وقف النسخة الورقية ثم عادت بعد فترة من تقييم التجربة لتعيدها إلى الحياة مرة أخرى بتبنى إستراتيجية تقوم على الاعتماد على عائد الإشتراكات والتحرر من قبضة الإعلانات. فى الحالة المصرية والعربية لا يبدو التغيير القائم على دراسات السوق أو المراجعات على أسس علمية مسألة حاضرة نتيجة الغيوم التى تحيط بأنماط الملكية وطريقة التعاطى مع متغيرات التكنولوجيا أو بحوث القراء والمشاهدين وتعثر التقييم الموضوعى للمحتوى المقدم الذى لا يستند إلى معرفة نوعية وشرائح الجمهور وميوله رغم تمدد صناعة الإعلام فى السنوات الأخيرة لتواكب الاتجاه العالمى القائم على حرية تدفق المعلومات والحرية الواسعة لدى الجمهور فى انتقاء ما يرغبون. واحدة من الأخطاء الكبرى فى صناعة الميديا المصرية والعربية هى عشوائية الأداء وعدم وجود هياكل محترفة فى الإدارة وهو ما يسقط الصحف والقنوات، خصوصا فى القطاع الخاص، فى سيناريو شبه متكرر، فأغلبها تكون بدايته مبشرة ثم ما يلبس أن يسقط فى هوة التراجع والإخفاق بعد فترة قصيرة نتيجة التباس الملكية وسيطرة صاحب رأس المال على الإدارة دون أن يجرؤ أحد على الإجهار بعيوب التجربة علنا خشية فقدان الوظيفة أو تهميش صاحب الرأى المخالف فى أقل تقدير. بالتأكيد الهوى السياسى يلعب دورا جوهريا فى التخبط ولكنه ليس كل شيء، فوسائل الإعلام الغربية ليست منزهة تماما ولدينا عشرات الأمثلة فى السنوات الأخيرة التى تكشف عن إنحيازات صارخة ومنها تغطية شبكات تليفزيونية وصحف كبرى للربيع العربى وتطورات الوضع فى مصر والأخيرة جعلت الكثيرين يراجعون مواقف وسائل إعلامية شهيرة مثل هيئة الإذاعة البريطانية أثر التغطية الصحفية غير المنصفة لثورة 30 يونيو.

خليط الملكية المطلقة للأفراد وغياب الإحتراف فى وسائل إعلامنا يعجل اليوم بسقوط كثير من الصحف وبرامج »التوك شو« المعروفة وإنزواء أسماء لمعت لفترة من الوقت، بسبب عدم وجود دراية بمزاج المشاهدين والإكتفاء بمسلمة واهية أن شهرة المذيع أو المذيعة وحدها تكفي! فحالة الإنكار التى تعيشها الميديا المصرية والعربية هى حصاد الواقع السياسى والاجتماعى المتخبط وغياب ثقافة تقبل النقد والأمثلة كثيرة فى الشهور الأخيرة والتى جعلت تجارب تليفزيونية وصحفية تسقط فى فخ الثقة الزائدة والإعتماد على العزف المنفرد لنجوم »التوك شو« حتى وصل بعضها إلى محطة »اللامعقول« والتى لن نغادرها قريبا إلا بمراجعات صادقة للمشهد الإعلامى تقوم على مبادئ عامة حاكمة منها وضع ضوابط لنمط الملكية المطلقة من جانب أفراد للصحف والقنوات الخاصة وتشكيل مجالس تحريرية محترفة تعلى من شأن الصالح العام وتقلل من تدخلات الإدارة فى السياسة العامة للوسيلة الإعلامية والشفافية فى نمط الملكية حتى يعلم القارئ أو المشاهد بالتوجهات الحقيقية وهى مسألة لا يمكن التهاون بشأنها فى ظل حالة المجتمع المصرى اليوم الذى يموج بصراعات المصالح وبالشائعات التى تطول الجميع بلا إستثناء. كما أن دعوة الدولة للقطاع الخاص لتنظيم نفسه لا تستقيم مع نمط الملكية المطلقة التى لا تميل للإستجابة لمبادرات التنظيم الذاتى بل العكس هو المتوقع حيث يحافظ حفنة من الملاك على مصالحهم طالما لا توجد قوانين ملزمة فيما يخص الملكية والقواعد المهنية والأخلاقية للممارسة الإعلامية، وهى ليست دعوة لتدخل الدولة لتصبح طرفا مهيمنا على صناعة الصحافة والإعلام ولكنها الوظيفة الطبيعية لها فى تنظيم حركة المجتمع بالأساس ثم تترك لأصحاب المهنة ممارسة الحرية المسئولة وفقا لضوابط لا تخلو منها المجتمعات الأكثر تقدماً. ويقينى أن تراجع نسب مشاهدة البرامج السياسية الحوارية فى الأونة الأخيرة يتيح أرضية ملائمة للبدء فى عملية المراجعة دون مكابرة حتى لا يعزف الجمهور تماما عن »مسرح اللامعقول« القائم بعد أن فطن الرأى العام إلى ضحالة صاحب الرسالة ورداءة المنتج المقدم إليه وحتى لا تتحول الميديا إلى ترفيه لا يغنى ولا يثمن!
&