هاني الظاهري
أكثر من 400 قتيل حصيلة المجازر التي ارتكبها التنظيم الإرهابي «داعش» بحق أبناء عشيرة «البونمر» السنية في العراق خلال الأيام القليلة الماضية، وهو رقم يقترب من نصف عدد ضحايا المجزرة التي ارتكبها التنظيم قبل أشهر بحق أبناء عشيرة «الشعيطات» في محافظة الرقة السورية، والقاسم المشترك بين المجزرتين، هو تخلي السلطات المحلية في الدولتين عن حماية المدنيين، الذين قرروا الوقوف في وجه الإرهابيين، لتأمين مدنهم وأعراضهم وممتلكاتهم، وهي من أغبى سياسات دمشق وبغداد في إدارة المعارك مع الإرهابيين، فعندما كان أبناء عشيرة الشعيطات يطردون أفراد «داعش» من قرى الرقة، كانت قوات النظام تحييهم عبر وسائل إعلامها، لكنها لم توفر لهم أي دعم عسكري أو غطاء جوي، وظلت تلقي بالبراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين في محافظات أخرى، حتى انقلب نصر الشعيطات إلى هزيمة ومجزرة تاريخية، أما حكومة بغداد فانشغلت طائراتها بمطاردة أرتال صغيرة للإرهابيين في صحاري الأنبار، من دون أن تدعم عسكرياً عشيرة البونمر التي حاولت الصمود أمام حصار «داعش» لها من دون جدوى.
كان على حكومة بغداد أن تفهم بعد سقوط الموصل مباشرة، أن موازين المعركة مع الإرهاب باتت بيد العشائر السنية في المقام الأول، وعلى النظام أن يتوقف عن معاداتها، ويعمل على دعمها وتأمينها، فمعظم عشائر الموصل، وإن لم يكشف الإعلام ذلك، احتضنت الإرهابيين ورحبت بهم جراء حنقها على نظام المالكي الطائفي، حتى إن التنظيم بث مقاطع فيديو حينها لشيوخ وأعيان عشائر الموصل وهم يبايعون خليفة التنظيم ويفتحون مدينتهم له ولمرتزقته، قبل أن يكتشف عقلاء هذه العشائر أنهم وقعوا في فخ كبير، وباتوا أسرى للتنظيم الإجرامي، ولا حول لهم ولا قوة.
الآن، هناك حنق متصاعد لدى العشائر في الأنبار وصلاح الدين والموصل ضد ممارسات التنظيم الإجرامية، ولاسيما مجزرة «البونمر»، وهو الوقت المناسب لحكومة بغداد لاغتنام الفرصة الذهبية المتاحة لها؛ للتخلص من «داعش»، عبر دعم هذه العشائر عسكرياً، بالسلاح والعتاد وتوفير غطاء جوي لعملياتها، وخوض معركة الثأر بجانبها، من دون تردد، وليتذكر سياسيو بغداد أن هذه العشائر هي من طردت الإرهابيين إلى الصحاري منتصف العقد الماضي، في إطار ما سمي «عمليات الصحوات» حينها، وليتذكروا أيضاً، أن تنظيم «داعش» اليوم في أسوأ أوضاعه في العراق، ومعظم قادته انسحبوا إلى سورية، فالبيشمركة تحاصره من الشمال، والعشائر الباحثة عن الثأر والقوات العراقية المسلحة تحده من الجنوب، والتحالف الدولي يمطره بالقنابل في الرقة وعين العرب، فإن لم يتم الإجهاز عليه في هذا الوضع على الأقل داخل العراق، فسينتصر ويصبح أكثر قوة، وسيستحيل منعه من اكتساح بغداد والمحافظات الجنوبية، ومن ثم إسقاط الدولة العراقية، وهذا ما لا يتمناه أحد.
&
التعليقات