علي العنزي

فوجئ المجتمع السعودي وفجع بما جرى في الأحساء يوم الإثنين الماضي، حينما أطلق ثلاثة أشخاص مسلحين وملثمين النار من أسلحتهم على مواطنين أثناء خروجهم من أحد المواقع في قرية الدالوة في المنطقة الشرقية بالمملكة، فقتل خمسة منهم وأصيب تسعة آخرون، في تلك القرية من جراء الاعتداء الإرهابي؛ لذلك كانت هذه الحادثة مفاجئة ومفجعة في الوقت نفسه ومن حيث التوقيت؛ لأنها تستهدف لحمة وتماسك المجتمع السعودي، وهو المجتمع الذي عرف عنه التعايش والوسطية، ولاسيما أننا نشاهد ما جرى ويجري في بلدان عربية وإسلامية بدأت تنزلق إلى فتن طائفية، وأصبح التطرف هو سيد الموقف في هذه الدول التي نتمنى لشعوبها الفرج من أزماتهم التي حلت بهم وفرقتهم بعد الاجتماع وزعزعة استقرارهم.

&

لم تكن السعودية من الدول التي تعرضت للإرهاب، ولم تكن تعرفه بشكله الواضح القاطع إلا في عام 2003، عندما فجّرت مجموعة من الإرهابيين ثلاث سيارات مفخخة استهدفت ثلاث مجمعات سكنية يقطنها غربيون وعرب، في الرياض، قتل فيها 20 شخصاً وجُرح 194، ومنذ ذلك الوقت واجهت السعودية الإرهاب بكل حزم وبكل الوسائل حتى استطاعت أن تحتويه وتقضي عليه، لكنه لا يزال يحاول أن ينال منها حكومةً وشعباً، كلما سنحت له الفرصة، علماً أن الاستراتيجية التي اتبعتها السعودية، ممثلة بوزارة الداخلية كانت ناجحة وناجعة جداً، إذ عملت على خطين متوازيين لمكافحة هذه الآفة، خط يعمل على ضرب الإرهاب بلا هوادة أو مهادنة واستئصاله من المجتمع عن طريق الضربات الأمنية، سواء الوقائية أم العلاجية، وتقوية الجانب الاستخباري وضرب العديد من العلميات الإرهابية في مهدها، وتجفيف مواردة المادية والبشرية وبكل السبل. أما الخط الثاني فهو محاربة الفكر بفكر، من خلال برنامج المناصحة التي تقوم به وزارة الداخلية، والذي كان فاعلاً مع العديد من المغرر بهم من الإرهابيين، لكن من سلك هذا الطريق عن قناعة فلم ولن يفيد به ذلك البرنامج، لذلك نرى أن وزارة الداخلية قد قامت بدورها على أكمل وجه في محاربة الإرهاب وعلى كل المستويات، لكن لا تكفي جهود وزارة الداخلية ومنسوبي الأمن وحدها، فتظل هي الوحيدة التي تحارب وتواجه الفكر المتطرف الإرهابي، فبقية مكونات المجتمع عليها مسؤولية كبيرة، وهنا الجميع مطالب بالوقوف إلى جانب رجال الأمن ومحاربة هذه الفئة التي تريد أن تدمر هذا الوطن إنساناً وفكراً وتنميةً وحضارةً، ولذلك من منطلق أن الأسرة هي نواة المجتمع، فمن الطبيعي أن تكون عليها مسؤولية كبيرة جداً، من خلال تربية الأبناء والاهتمام بهم ومتابعتهم في تعليمهم، وألاَّ يُترَكوا عرضة لمن يريد أن يستغلهم في درب الظلال، والمدرسة كذلك والمسجد والجامعة وجميع المؤسسات في المجتمع السعودي عليها مسؤولية كبيرة لمواجهة ما من شأنه أن يثير القلاقل وعدم الاستقرار في هذا الوطن الذي ضم الجميع وعاش عليه وفيه الجميع.

&

إن التطرف في الدولة السعودية هو منبوذ، فمنذ قيامها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن، رحمه الله، وهي تنتهج الوسطية في الإسلام، وهي خادمة وحامية للحرمين الشريفين، وتقوم على تأمين سلامة الحجاج لهذه البلاد الطاهرة منذ أن وحدها، رحمه الله، عام 1932، وأعلنها مملكة، دستورها القرآن والسنة، فخطبة الجمعة للشيخ صالح بن عبدالله بن حميد -حفظه الله- التي ألقاها قبل أسبوعين في الحرم وضعت اليد على الجرح، وشخّصت الداء، وأوجدت الدواء، فالأمة الإسلامية تمر بواقع مرير وخطير في هذه الأيام، وحذّر من الانجرار وراء الإشاعات، ومن تكالب الأعداء عليها من كل صوب وحدب، واستخدام هؤلاء الأعداء كل وسيلة، وجميع السبل من أجل النيل من ثوابت دينها وزعزعة استقرارها في كل مكان، موجِهاً النصائِح لعموم المسلمين بوجوب التمسك بالكتاب والسنة ومنهج السلف؛ ففي ذلك النجاة من الفتن والاضطرابات، مذكراً بنعم الله تعالى، واستشهد بأنه قبل قيام الدولة السعودية الثالثة بقيادة الملك المؤسس عبدالعزيز، رحمه الله، لم يكن باستطاعة أي دولة تأمين حجاج بيت الله الحرام، حتى إن علماء المسلمين في المغرب العربي علّقوا الحج حتى يستتب الأمن في الجزيرة العربية. لقد كانت خطبته في مكانها ووقتها؛ لتذكير الجميع بنعمة الأمن والأمان ونعمة التلاحم والعيش باستقرار وهدوء، وكله بفضل الوحدة الوطنية والالتفاف حول القيادة الرشيدة.

&

إن الدولة الرشيدة لا تقوم على العنصرية ولا على الطائفية، بل على التعايش والوسطية، ودين الإسلام هو دين التسامح والوسطية، ورددها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بأن علينا بالوسطية ومن قبله كل قادة هذه البلاد، رحمهم الله، كانوا وسطيين في الإسلام، فلا تطرف ولا غلو، وحاربوا التطرف والطائفية المقيتين، فعلينا جميعاً مسؤولية، وهي حماية البلد ومقدراته والالتفاف حول قيادته وعدم السماح للفئات المتطرفة أي كانت بأن تخلق الفرقة والفتنة في هذا البلد، فالجميع لن ينجو في حال عدم الاستقرار لا قدر الله.

&

إن سرعة استجابة وزارة الداخلية وفاعلية الجهات الأمنية بإلقاء القبض على الجناة كان له الأثر الكبير في نفوس المواطنين، وهو دليل آخر على جاهزية وزارة الداخلية بقيادة الأمير محمد بن نايف، وفقه الله، ومنسوبيها. يجب أن تواكبه جاهزية وفاعلية لدور المجتمع وبكل شرائحه، إذ عليهم التحرك بنبذ هذا الإرهاب والتطرف، والحفاظ على هذا الوطن الذي نعيش في ظلاله وننعم بخيراته، وأولها نعمة الأمن والأمان. رحم الله شهداء الوطن من رجال الأمن الذي ضحوا بأرواحهم حماية للوطن والمواطن.
&