يوسف الكويليت

معروف ومن البدهيات، أنه لا فصل بين استقرار الأمن في أي بلد، والتنمية، ومؤتمر قمة العشرين ربما همّش السياسة لصالح الاقتصاد، وهذا ليس صحيحاً ما استدعى سمو الأمير سلمان ولي العهد ووزير الدفاع أن يقول: «لا يخفى على الجميع الارتباط الوثيق بين النمو الاقتصادي والسلم العالمي إذ لا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر».

وهذا صحيح ومنطقي لأننا عشنا حرب ١٩٧٣م وكيف لعب عدم الاستقرار في المنطقة العربية، بأن وجّه ضربة هائلة لمستوردي النفط والتأثير على اقتصاداتهم، ونفس الأمر يحدث الآن في اضطرابات المنطقة وأزمة كل من روسيا وإيران كمصدريْن للنفط، هذا عدا مماحكات القوى العظمى ورفع حالات الاستعدادات العسكرية في قواعد الدول التي تملك أسلحة الدمار الشامل وتأثيرها على الأمن العالمي..

هناك من حاول جعل النفط سلعة سياسية لا اقتصادية بمبدأ خلق حرب (البراميل) من أجل السباق في إغراق السوق العالمي، لكن المملكة رفضت مثل هذه الدعاوى لإيجاد خط سلمي وليس نزاعاً على سلعة استراتيجية، وهذا ما أكده سمو الأمير سلمان في قمة العشرين الأخيرة..

لقد عرف العالم دعوات كثيرة، للاتحاد من أجل مصلحة البشرية، وهي عناوين وشعارات أُطلقت من أصحاب الأيدلوجيات الشمولية والأعراق والقوميات والأديان، لكن بقي الصراع قائماً وأزلياً، إلى أن حدث الانفجار الأخير في طي الكوكب الأرضي المتباعد المسافات والحدود، إلى حي عالمي واحد، فكان لابد من خلق إطار عمل تجتمع حوله القوى الاقتصادية أولاً بعقد قريب للتوافق من أجل النهوض بالإنسان في مكافحة الأوبئة وتحسين المناخ وشل الحروب وتقنين الطاقة..

المؤتمر شهد حرب روسيا مع الغرب ليقطع بوتين رحلته بسبب تلك الخلافات أي أن السياسة حاضرة بقوة، ولذلك لابد من جعل المناطق الساخنة أكثر برودة، وهذا لا يتحقق من خلال إصدار قرارات أو اتفاقات ثنائية ما لم يكن هناك إجماع لصيانة السلام العالمي، من أفق المصالح وبعيداً عن حالات التنافس والاستقطاب. والمملكة، رغم وجودها في بؤر الصراع في المنطقة، حاولت أن تكون مركز التوازن في الخلافات حتى مع بعض الدول التي سدت كل الطرق للتفاهم، لأن البقاء هو للفهم المشترك والتعايش دون غيرهما..

الملك عبدالله وولي عهده الأمير سلمان هما من يقود رحلة الحاضر القلق خارجياً، والمطمئن داخلياً، وهما من رفض كل أنواع الحروب بأشكالها الاقتصادية والنفسية والطائفية؛ لأن العائد هو خسارة الجميع، وقد يكون من الصعب استقلال قرار أي دولة في معركة المصالح ومع ذلك رفضت المملكة الإملاءات وأي نوع من التضاد والتنافس على جعل المنطقة بؤرة صراع دائم رغم الأحوال الراهنة والتي تعتبر امتداداً لما قبلها..

المنتدى شهد حضور المملكة الإيجابي ومساهماتها في صياغة بيان مستقبلٍ بعيد عن النزاعات، لكن ذلك مشروط بتعاون دولي حين طرحت وبشكل دائم حوار الأديان ومكافحة الإرهاب، والقبول بعالم متعدد الثقافات والأعراق، لأن الطبيعة البشرية ليست متساوية في تواريخها وتراثها، لكن ليس تصدها موانع أو حبوس بعدم الالتقاء وفتح جسور التعاون والتفاهم طالما الإنسان نفسه نزّاع للحياة والعيش الكريم حتى في أسوأ ظروف تاريخه القديم والحديث..
&