جاسر الجاسر

أقر رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري في حوار مع «الجزيرة»، بلغة أسيفة ومرارة ظاهرة أن العراق مرتهن لإيران، وأن تغيير الوضع يتطلب أن تمتلك الحكومة أدواتها وأن يفتح لها الباب للاندماج في محيطها العربي. هذه رسالة واضحة لدول الجوار، والسعودية خصوصاً، لمزيد من التفاعل مع الحكومة القائمة ومنحها مزيداً من الثقة. يستحق العراق كل الثقة لأن عزله سيشدد القبضة الإيرانية ويقوي سطوة مؤيديها الذين يواجهون حملة معارضة شرسة، بدءاً من السيد السيستاني وصولاً إلى الرئاسات الثلاث، ما يكشف عن حجم الاحتقان والمرارة من الهيمنة الإيرانية بسبب تغذيها على العراق اقتصاداً، وتجنيد أبنائه في حروبها الخاصة، والتدخل المهين في كل شؤونه.

&

منذ مجيء السيد العبادي وهناك سعي حثيث لتحرير العراق واستعادة هويته على الأقل بحسب النشاطات المعلنة والظاهرة، ما يستدعي عدم التخلي عنه واختزال الظنون في خطوات تقارب سريعة، فمهما كانت نتائجها فهي تستحق المخاطرة لأن هذه الحال قد لا تتكرر، أما إن استمر خنق الصوت العراقي الجديد فلن يستقر سوى في الحنجرة الفارسية.

&

اخترق العبادي المنظومة الإيرانية التي أنشأها المالكي وكشف عن الفساد والرقم المرعب للجنود «الفضائيين» وأقال كثيراً من القيادات المالكية، وبرهن الرئيس معصوم عن نزعة جلية تقترب من الخليج تحديداً، أما الجبوري فأظهر صلابة وعناداً لم يكونا متوقعين، حتى إنه جابه طهران في شأن ميليشياتها وما تشكله من عبء على بغداد على المستويات كافة.

&

بحسب «إيلاف» فإن زيارة المالكي للبنان لم تجد حفاوة سوى من «حزب الله» و «أمل»، فهو مطلوب لدى لبنان، فضلاً على أن زيارته كانت لإنقاذ ابنه وأمواله المحتجزة. هذا النفور تحول جديد في لبنان لا يختلف عن نظيره العراقي، فلم يحقق النفوذ الإيراني سوى القمع ومحاولة الابتلاع من دون عناية بأية مصلحة مباشرة لهذين الطرفين، وإذا كانت السعودية نجحت في محاولة تحصين لبنان عبر دعم الجيش ليكون قوة وطنية مستقلة متحررة من العجز والتبعية، فإن الالتفات إلى العراق خطوة يجب ألا تتأخر، على أمل أن تكون البادرة العراقية صادقة، وتتوافر فيها القدرة على المضي حتى النهاية.

&

تبدو طهران مثل رجل كثر أطفاله وأقعده العجز، فلا سلطة له عليهم سوى عبر بقايا الهيبة واستمرار العزلة، لكن الأبناء كبروا واكتشفوا العالم وتطلعوا إليه، ولا يحتاجون إلا إلى بعض التشجيع والمساندة.

&

المسألة ليست مجرد تنازع مع إيران، لكنه الحق الطبيعي لشعب كان قدره معايشة ومساكنة الخوف بدءاً من الديكتاتورية، ثم الاحتلال، وصولاً إلى هيمنة نثرت فيه الفساد والآيديولوجيا المقيتة، وجعلت أرضه ميداناً رحباً للجماعات الإرهابية، فلم يعد أمامه سوى أن يصيح بالخليج: «يا خليج». هذا الخليج ينثر اللؤلؤ والمحار، لكنه لا يصدر الردى أبداً.
&