الجبهة الشعبية التونسية ترى أن السبسي والمرزوقي يمثلان «انتكاسة للثورة» والتيار الديمقراطي يدعو الأحزاب «الثورية» لمراجعة خطابها السياسي


&&أثارت نتائج الانتخابات الرئاسية ردود فعل متفاوتة لدى السياسيين التونسيين، حيث اعتبر بعضهم أنها تمثل «انتكاسة للثورة»، فيما دعا آخرون للاستفادة منها في مراجعة خطاب بعض القوى السياسية التي لم تحقق نتائج جيدة في الانتخابات التشريعية السابقة.
وكانت هيئة الانتخابات التونسية أعلنت الاثنين فوز رئيس حزب «نداء تونس» الباجي قائد السبسي برئاسة البلاد بعد تقدمه على منافسه الرئيس السابق منصف المرزوقي، مشيرة إلى أن العملية الانتخابية تمتعت بقدر كبير من الشفافية في ظل مشاركة 60 بالمئة من الناخبين المسجلين لدى الهيئة.


وإذا كان أغلب السياسيين التونسيين يرحّبون بانضمام بلادهم لنادي الدول الديمقراطية بعد نجاحها في تنظيم انتخابات حظيت بإشادة كبيرة من قبل المجتمع الدولي، فإن بعضهم يحذر من عودة منظومة الفساد والاستبداد التي كانت سائدة خلال فترة حكم بن علي، فيما يدعو آخرون إلى الابتعاد عن الخطابات المتشنجة والتعاون في إنجاح المرحلة الجديدة التي يفترض أن تبنى على التوافق السياسي.
ويرى النائب والقيادي في الجبهة الشعبية الجيلاني الهمامي أن فوز الباجي قائد السبسي برئاسة الجمهورية كان «متوقعا»، مشيرا إلى أن «معطيات الدور الأول كانت تشير إلى ذلك، كما أن التطورات التي جرت في الدور الثاني كانت تصب في اتجاه فوز قائد السبسي».
ويرى بعض المراقبين أن الجبهة الشعبية كانت العامل الحاسم في فوز قائد السبسي بالرئاسة، لكن الهمامي ينفي هذا الأمر، ويؤكد بالمقابل أن الجبهة «كانت العامل الحاسم في إسقاط المرزوقي» الذي يرى أنه لا يمثل «لا هو ولا المجموعات المحيطة به الثورة التونسية».


لكنه يؤكد لـ «القدس العربي» عدم وجود فروق كبيرة بين شخصيتي قائد السبسي والمرزوقي، مشيرا إلى أن نتائج الانتخابات التشريعية، والرئاسية التي أدت لوصول قائد السبسي والمرزوقي للدور الثاني تمثل «انتكاسة للثورة التونسية، وعدم استجابة لتطلعات الشباب المهمش والمفقّر والجهات التي قامت بالثورة، وكان هدفها بناء نظام ديمقراطي حقيقي، وأن تتصدر المشهد قوى ووجوه ثورية حقيقية وليست وجوها من النظام القديم أو وجوها سياسية مدعومة من مجموعات العنف ومجموعات معادية للديمقراطية».
وفيما يتعلق بالمشاركة في الحكومة المقبلة، يؤكد الهمامي أن الجبهة الشعبية لم تناقش هذا الأمر بين مكوناتها، مشيرا إلى أنها ليست معنية بالتواجد في الحكومة التي سيشكلها النداء «الذي يجري مفاوضات كواليس مع النهضة حول هذا الأمر»، إلا في إطار برنامج «يحقق تطلعات الشعب ومصلحة البلاد ويساهم في استقـــرار القرار الوطني وبناء اقتصــاد قوي».
وكان رئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي أشاد بنتائج الانتخابات الرئاسية، ودعا قائد السبسي إلى المساهمة في توحيد الشعب التونسي، مشيرا إلى أن الحركة «ستكون حاضرة دوما لخدمة تونس، لكنها قد تفضل الانتقال للمعارضة إذا شعرت بأن المسار الديمقراطي في خطر».


فيما أصدر الحزب الجمهوري بيانا هنأ فيه قائد السبسي بالفوز وأشاد باحترام المرزوقي لنتائج الانتخابات، داعيا التونسيين إلى التمسك بالوحدة الوطنية و «المضي قدما في تركيز مؤسسات الدولة الديمقراطية ومواجهة استحقاقات المرحلة القادمة بما يضمن كرامة التونسيين ويعزز حقوقهم الدستورية وحرياتهم المكتسبة».


ودعا النائب والقيادي في حزب التيار الديمقراطي غازي الشوّاشي الأحزاب «الثورية والاجتماعية والديمقراطية» إلى أخذ العبرة من نتائج الانتخابات باتجاه مراجعة خطابها السياسي ومحاولة توحيد نفسها ضمن تكتل سياسي جديد.
وأضاف لـ «القدس العربي»: «كنا نتمنى أن تكون النتائج عكسية (فوز المرزوقي) ولكن الصندوق اختار خلاف ذلك، ونحن كديمقراطيين مجبورين على احترام نتائجه، رغم أننا نعرف أن الصندوق ونتائجه دخل فيها المال السياسي واللوبيات وقوة الإعلام وماكنة النظام القديم، ولكن بجميع الأحوال لا يمكن القول إن هذه النتائج تمثل انتكاسة للثورة التونسية، بل هي مرحلة هامة في تاريخ تونس».
ورغم أن الشواشي يؤكد أن الاستبداد لا يمكن أن يعود لتونس، لكنه يحذر من وجود «انزلاق نحو ممارسات استبدادية ومواصلة منظومة الفساد على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي»، معتبرا أن حزب نداء تونس هو «رسكلة (إعادة إنتاج)» للمنظومة القديمة التي تسعى للرجوع إلى الساحة والهيمنة على مفاصل الدولة».


كما يستبعد مشاركة حزبه في الحكومة التي سيشكلها «نداء تونس»، ويضيف «نحن لا يشرّفنا مشاركته (نداء تونس) في الحكم، لكننا في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعيشها البلاد، لا يمكن أن نساهم في تعطيل أي حكومة ولو كانت تنتمي لنداء تونس، بل سنشكل معارضة بناءة لخدمة البلاد، وسنتصدى بالمقابل بكل قوة لأي محاولة للانزلاق نحو الاستبداد والاعتداء على الحريات والحقوق».
من جهة أخرى، نقلت صحيفة «الشروق» المحلية عن مصادر «موثوقة» تأكيدها تلقي رئيس حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي سليم الرياحي تهديدات غير مباشرة من أطراف مقربة من المرشح منصف المرزوقي تعلمه فيها ان مصيره سيكون مثل مصير رئيس وزراء القذافي البغدادي المحمودي (الذي سلمته الحكومة التونسية للسلطات الليبية) في حال فوز المرزوقي بالرئاسة.


ويرى الشواشي في هذه التصريحات نوعا من «المزايدات» السياسية، مشيرا إلى أن المرزوقي «شخص ديمقراطي ومسالم، وطيلة ثلاث سنوات من وجوده في الحكم لم يقدم شكوى ضد أي صحافي أو معارض اعتدى عليه لفظيا، ولا يمكن لأنصاره أن يهددوا أي طرف، وهذا الكلام مردود على أصحابه».

&