صالح عبد الرحمن المانع
&يعنّ للمرء عادة في نهاية كل عام أن يتذكّر أهم الكتب التي قرأها خلال العام المنصرم، والحقيقة أنّ هذا العام شهِد ظهور عددٍ كبيرٍ من الكتب باللغة الإنجليزية تهتم بموضوع الدولة وتوسّع صلاحياتها في الغرب، بحيث أصبحت عبئاً ضخماً على المجتمعات ودافعي الضرائب في تلك البلدان.
وسأحاول في هذه العجالة أن أشير إلى ثلاثة كتب ظهرت في عام 2014، وأخذت حيّزاً كبيراً من اهتمام الإعلام الغربي.
&
وأول هذه الكتب، هو الذي وُسم بـ«الثورة الرابعة، التسابق الدولي لإعادة اختراع الدولة»، وقد كتبه كل من «جون ماكلويف» و«أدريان وولدريج»، وهما محرران بمجلة «الإيكونومست» البريطانية.
أما الكتاب الثاني والثالث، فهما مؤلَّفان من قِبل محامين وأساتذة قانون، ويركّزان على الحكومة الفيدرالية وعملها في الولايات المتحدة، والأول منهما معنون: «لماذا تفشل الدولة في الغالب: وكيف يمكن إصلاح ذلك؟»، ومؤلفه أستاذ القانون الدكتور «بيتر شوك».أما الكتاب الثالث، فهو كتاب فيليب هوارد عن «قانون اللاغير». ويهتم الكتاب الأول «الثورة الرابعة» بثلاث ثورات مرّت على قيام الدولة الأوروبية، أولاهما تلك التي بدأها «توماس هوبز» بدعوته لقيام الدولة المركزية، بديلةً عن الإمبراطورية المسيحية الكهنوتية في القرن السابع عشر، والتي أسَّست لمنظومةٍ سياسية قوية تسمّى بالدولة، تسنّ القوانين وتجمع الضرائب وتصرف الأموال على الخدمات العامة، وتحظى بثقة المواطنين ورضاهم، عبر ما سمّي بالعقد الاجتماعي.
والثورة الثانية التي يتحدث عنها الكتاب، فهي الثورة الديمقراطية التي دعا لها «جون ستيوارت مل» وتجسدت في الثورتين الفرنسية والأميركية.
أما الثورة الثالثة فهي تلك التي دعا إليها المفكران «باتريس» و«سيدني ويب»، ودعت إلى تشكيل ما سُمّي بدولة الرفاه في القرن العشرين.
وكانت هناك محاولة نصف ثورة -كما يسميها الباحثان- قادها الاقتصادي الأميركي «ملتون فريدمان» في السبعينيات من القرن الماضي، ودعت إلى تقليص دور الدولة في الهيمنة على الاقتصاد، وظهر منها ما سُمّي في عهد الرئيس ريجان بـ«الإجماع الواشنطوني»، الذي يدعو إلى خصخصة الخدمات التي تقدمها الحكومة، ونقلها إلى القطاع الخاص، باعتبار أنه يمثّل أفضل وسيلة لتقديم الخدمات بتكلفة أوفر مقارنة مع بديلاتها.
ويبدو أن «نصف الثورة» هذا لم ينجح بشكلٍ كامل في الولايات المتحدة، بينما لقي ترحيباً هائلًا في بعض دول العالم الثالث، عبر تبنّي البنك الدولي بشكل رسمي لها في فترةٍ من الفترات.
ويرى الباحثان أن الدولة الحديثة، برغم أنها اختراع غربي، إلا أنها نجحت عبر ثلاثة قرون في أن تجدد نفسها بشكلٍ مستمر، إما عبر التكتل السياسي والاتحاد كما حدث مع ألمانيا في عهد بسمارك، أو عبر إعطاء مزيد من الحريات، وفي الوقت نفسه الحصول على الضرائب من دافعيها برضاهم الكامل، كما حدث في بريطانيا، وكذلك عبر التحديث المستمر.
غير أنّ الباحثَين يقرّان كذلك بأن دول العالم الثالث الفتيّة باتت تنافس البلدان الغربية.
فالصين قامت ببناء معهدٍ يُفرض على جميع القيادات العليا في الدولة أن تمضي فترةً زمنية فيه للتدريب على حلّ المشاكل الإدارية والسياسية بطرق جديدة.
وظهرت محاولات موازية لإعطاء البيروقراطية عقلانيةً ورشدًا في اتخاذ القرارات في كلٍ من الهند والبرازيل.
ولذلك، يتخوّف المؤلِّفَان من أن تتراجع قدرة الدول الغربية على التحديث والتغيير وتفقد مكانتها العالمية المعهودة.
أما الكتاب الثاني -ومؤلفه بيتر شوك- فهو انتقاد مباشر لسيطرة البيروقراطيين على الحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة، وعدم رضا غالبية الشعب عن أدائها، بينما نراهم راضين بشكلٍ أكبر عن أداء الحكومات المحلية.
ومثل هذا التباين في الرأي ربما يعود إلى قرب مثل هذه الحكومات المحلية من المواطن، وبُعد الحكومة الفيدرالية عنه، وعدم قدرة أو استطاعة المواطن العادي على التأثير فيها.
وبينما يرى «شوك» أنّ الحكومة الفيدرالية قد قدّمت الكثير من الخدمات في مجال الرعاية الصحية والتعليم وغيرها، إلا أنه ينتقد الميزانية العالية لتلك الحكومة، والتي وصلت إلى 3,8 تريليون دولار في عام 2011.
وفي الكتاب الثالث يقرّ المؤلف -فيليب هوارد- بأنّ القوانين والأنظمة لم تعد كافية لتحقيق الأهداف التي وُضعت من أجلها، خاصةً في مجال البيئة.
ويرى ضرورة العودة لقوانين أقل تعقيدًا وصرامة بحيث لا تؤثر أو تعيق عمل الأفراد أو الشركات، أو تؤخّر تنفيذ المشاريع التنموية، وخاصةً من قِبل بعض جماعات الضغط التي تستخدم المطالبات القانونية لتأخير تنفيذ مشروعات حيوية.
وأخيراً قد يتساءل المرء، هل لأفكار هذه الكُتب تأثير على شؤون إدارة الدول في العالم الثالث؟ الحقيقة أنّ الإجابة تكمن في «نعم»، و«لا» في الوقت نفسه.
فالبيروقراطية في بعض الدول العربية تنخر الدولة من الداخل، ولا تقدّم الخدمات المطلوبة للمواطنين على الوجه الأكمل.
غير أنّ وجود الدولة وقوتها في العالم الثالث، خاصةً في العالم العربي، هو أمرٌ في غاية الأهمية أيضاً، حيث تعاني منطقتنا العربية من ضعف بعض الدول، بل وهشاشتها، وفي بعض الأحيان انهيارها الكامل، مثلما يحدث في سوريا والعراق واليمن وغيرها، حيث أصبحت الجماعات المسلّحة، وليس الدولة، أساس الدمار السياسي فيها.
&
التعليقات