سالم سالمين النعيمي

الكل خاسر في حرب أسعار النفط، فكم من شعوب ستعاني من رفع سعر الخدمات الأساسية المقدمة لها وتعطيل المشاريع التنموية المتعلقة بها مباشرة وتأثر الاقتصاد العالمي بصورة عامة مع هبوط متوقع في أسواق الأسهم والعقارات وزلزال مدو ستعاني منه عملات بعض الدول وسعر الفائدة فيها مع تراجع مداخيل كارتيلات النفط التي تعد لوبياتها الأقوى في العالم والتي ترتبط مكاسبها الطائلة مع ما تجنيه حكوماتها من الدخل الضريبي المرتفع ومخططات ثورية خارجية سيتم كبح جماحها وتعطيلها وآخرون سيعتقدون أنهُم المستفيدون الحقيقيون من هُبوط الأسعار دون النظر للصورة الكلية للاقتصاد العالمي بعد تحقيقهِم لمكاسب مؤقتة غير مستدامة؟


وفي الواقع إن حليف الأمس ليس بصديق ولا بعدو بل هو عميل مزدوج في حرب حقيقية وتلك البلطجة النيوفاشية لن توقف التطور الطبيعي لتبادل الأدوار التاريخية لمقاليد وموازين القوى العالمية فكلما كانت الولايات المتحدة الأميركية تعتمد بصورة أقل على نفط دول أوبك كلما كانت الدول المحورية في تلك المنظمة معرضة لفقد بريقها وتأثيرها على المسرح العالمي للسياسة والاقتصاد، فبعض تلك الدول لديها من الاحتياطيات المالية التي تمكنها من كسب بعض الوقت مع أسعار منخفضة وخاصة أن ميزانيات الأغلبية فيها مبينة على أن سعر النفط الذي يصل لـ 70$ وكلفة استخراجه لديها هي الأقل عالمياً ولكن لا يمكن قول الشيء نفسه على بلدان مثل إيران وفنزويلا ونيجيريا وأميركا التي تنتج النفط الصخري بكلفة 65 دولاراً وتبيعه بـ 60 دولاراً في معركة استنزاف نفطية، أميركا بالتحديد لا تفضلها، بينما في إيران كلفة إنتاج البرميل تبلغ 70 دولاراً مما يعني شبه توقف عن الإنتاج وفقدان 20 إلى 30 في المائة من إيراداتها النفطية، ولذلك أسعار الطاقة سلاح فعال للتفاوض حول الملفات الشائكة التي تتعلق بالأمن القومي والمصالح العليا للأمم.

فينبغي أن نعي ما يحدث خلف الكواليس، ونرى التكالب مع سبق الإصرار والترصد لتجييش كافة المؤسسات الدولية وإشعال الفتن السياسية في المنطقة العربية، وإغراق مجتمعاتها بمزامير الإسلام السياسي وتصويرهم بأنهم معارضة سياسية واعية وأمل الديمقراطية الوحيد في مجتمعاتهم، في عملية خلط أوراق وحقائق تضليلية متعمدة لتشويش الرؤية وقلب الطاولة في حرب الهيمنة والنفط، وستمارس حرباً قذرة على حكومات دول الخليج خاصة على أيدي المختطفين فكرياً ومذهبياً وسياسياً من أبنائها للضغظ المُتواصل وشغلها بالأزمات الداخلية وتشتيت تركيزها بحروب نفسية مصطنعة، ستسرق أضواء أعلامها ومفكريها وسياسيها عن المعركة الأهم. وبعيداً عن المنطق الاقتصادي والاستقرار في الأسعار عند حدود 90 دولاراً للبرميل على الأقل، سيفرض المنطق الجيوسياسي استراتيجيات ربط الأحزمة لإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة.

وطالما لعِب الغرب دوراً بارزاً في حرب طاقة باردة، وتشكيل أحلاف في هذا المجال تضمن التوازن في الأسواق لأغراض سياسية واقتصادية بحتة تخدم مصالحه فقط، فقامت الدول المصدرة الكبرى فيه بإشعال المنافسة في الإنتاج والحصص بصورة عدائية، فكان لابد من استراتيجية قوى ناعمة مضادة توقف العزف المنفرد، فماذا عساهم فاعلين في ظل وجود الفائض في المعروض ودخول المصافي في مرحلة الصيانة، وخاصة أن «أوبك» تتوقع انخفاض الطلب على نفطها بما يقل عن 280 ألف برميل يومياً، وتقلُص حِصة أوبك في السوق سيُجبر دول المُنظمة الخليجية أن تستخدم ميزة التكلفة ضد ارتفاع تكلفة المُنتجة للنفط الصخري والسماح لأسعار النفط أن تنزلق إلى سعر 60 دولاراً للبرميل، وقد تصل إلى الخمسين دولاراً، وإذا تعافت في منتصف السنة القادمة لن تصعد فوق معدل الـ 80 دولاراً، وستدخُل تحالفات الشركات في الصورة، وتلعب دوراً محورياً في زيادة الإنتاج وتطوير التكنولوجيا لمستوى غير مسبوق وينتعش التخزين، وتحصل على تسهيلات خاصة في سعر الضرائب المفروضة عليها، وتعوض خسائرها من فارق السعر.

وإذا نظرنا عن كثب لاكتشافات الغاز السورية الجديدة رغم التكتيم الحكومي، والتي يعتقد أنه لا يقل عما تملكه دولة مثل قطر واكتشافات موارد الغاز الطبيعي البحرية الإسرائيلية الضخمة، سندرك لعبة السياسة الدولية القذرة التي تتاجر بالأرواح والأراضي ضمن مضامين حقوق الإنسان والعدالة التي وضعوها هم لتقتل القتيل وتمشي في جنازته، ومثل ما تضع أميركا والغرب مصالحهما الوطنية أولاً، لا بد من استعارة العقلية الأميركية مؤقتاً عبر وكلاء ماديين ومعنويين، فالعالم يكاد أن يتفق على من يضطلع بدعم الحروب في أوكرانيا وسوريا بهدف شل روسيا والصين والسيطرة على خطوط أنابيب الطاقة، ولكن هل هُناك ثمة اتفاق مسبق لكسب مصالح سياسية مستقبلية، أم أننا نمهد الطريق لنجبرهم على التفاوض من منطلق نفعي مستدام يخدم أولوياتنا في المقام الأول؟
&