سمير عطا الله


إما أنني كنت مزوِّرا طوال نصف قرن من الكتابة عن الوحدة العربية كحلم، وإما أنني مزور اليوم، إذا ما رحبت بالفيدراليات المعلنة كما حدث في اليمن.

الحقيقة أن لا تزوير، أمس واليوم وأبدا. كنت عربيا حالما بالأمس، وأنا عربي يائس ومدمَّر وحزين اليوم. عرب الأمس جعلوني أحلم، وعرب اليوم جعلوني أقول: إذا كانت الفيدراليات تؤمِّن الحياة للناس والتعايش. ولأن مقدار ما نُهب من مداخيل النفط حتى الآن، هو مقدار ما أخذه القذافي خلال 40 عاما. وإلى أي وحدة وطنية سوف تعود سوريا الواقعة بين براميل النظام وسكاكين داعش. وسجون العراق في دولة القانون أكثر فيضا مما كانت أيام صدام حسين. وإضافة إلى الحرب إلى جانب النظام في سوريا، يخوض المالكي حربا على أهل العراق، فيما الشمال ينعم بجمهوريته كأنه في قارة أخرى.

أيهما أفضل؟ دول اتحادية بلا موت وقتل وتشريد ودمار، أم دول يحكمها الموت والكره والخراب، وخصوصا، الفساد الذي لا حدود له؟ كنت أعتقد، ذات مرحلة، أن أفضل ما فعله laquo;مجلس الشعبraquo; في سوريا، هو تخصيص نصف مقاعده للفلاحين. وكنت أقول هذا الكلام دائما لصديقي الراحل عبد القادر قدورة، رئيس المجلس لسنوات، وأحد أنقياء الناس. ثلاثة أرباع الثورة أشعلها الفلاحون الذين تركهم النظام في قسوة الجفاف والقحط، مكتفيا بأن تنتعش أسواق حلب ودمشق ومعهما أركان الفساد.

ليست الثورات العربية هي التي زرعت الفرقة بين الناس، بل الأنظمة. غياب العدل والإنصاف والنزاهة. وتلك القسوة الرهيبة في معاملة المناطق، كما فعل علي عبد الله صالح في حرب إبقاء الجنوب ضمن الوحدة. لا أنسى يوم ذهبت مع الرئيس محسن العيني والدكتور كلوفيس مقصود إلى أوائل اجتماعات الوحدة بين اليمنيين في نيويورك. كان الفرح حقيقيا على كل الوجوه، وصادقا وعميقا. سقطت الوحدة، كما سقطت من قبلها الوحدة المصرية - السورية، بسبب تعسف الحكم المركزي وتجاهله لمشاعر الناس، وهم بعد في مرحلة شديدة الحساسية من التعارف الوحدوي.

معظم الذين طلبوا الوحدة، أو ادَّعوها، أو حوَّلوها إلى رقصة شعبية، لم يعرفوا كيف يحمون وحدتهم الداخلية أولا. كيف يرضون شعوبهم وكيف يعدلون وكيف يعاملون الناس كبشر. ظنّوا أن الناس سوف ترتضي نفاق الشعارات وفراغ الخطب وفشل الاقتصاد إلى الأبد. وظل القذافي، حتى خطاب الجرذان، يمنع دخول الكتب والصحف، معتقدا أن العالم لم يتغيَّر مذ كان طفلا في سرت.

كانت كلمة فيدرالية، أو اتحادية، ترن مثل الإهانة في الأذن العربية، ومثل السهم في القلب العربي. كانت علامة التخلُّف والعودة إلى الوراء والخروج على الألفة. صارت حدثا عاديا. أعلن اليمن عن الحكم الاتحادي كأنه يعلن عن عودة السلاطين. بأعداد أقل.