عبدالله اسكندر


يثير ترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رابعة، وطريقة إعلانه، أسئلة وأحاجي اكثر بكثير من تلك التي سادت في ولايته الثالثة. فالرئيس الذي أستدعي من الإمارات ليسكن قصر المرادية العام 1999، كان الخيار الوحيد المتاح أمام المؤسسة العسكرية من اجل مواصلة سياسة التهدئة المضبوطة في المواجهة مع الجماعات المسلحة، ومن اجل انقاذ مظاهر التجربة التعددية. ولذلك، اعتبر حكمه، في الولايتين الأولى والثانية، ترسيخاً للاستقرار والنهوض الاقتصادي. وكان يمكن ان ينهي حياته السياسية بـ laquo;عزة وكرامةraquo;، كما نصحه احد الجنرالات المتقاعدين، لو لم يندفع الى تعديل الدستور ليتمكن من التجديد لأكثر من ولايتين، وتدخل الجزائر في متاهة جديدة.

الولاية الثالثة كشفت مصاعب الرئيس البالغ من العمر حالياً 76 سنة. فهو يعاني وضعاً صحياً دقيقاً بعد اصابته بجلطة دماغية وقضى شهوراً من الاستشفاء في فرنسا. وفقد صورة الشاب المندفع والجريء وصورة الرئيس المدافع عن قانون العفو والمصالحة الوطنية والمهندس لمرحلة الاستقرار والمتمسك بصلابة الضابط الذي كانه خلال حرب التحرير وبالديبلوماسية الذي اتقنها في وزارة الخارجية في ظل الراحل هواري بومدين.

لقد بات بوتفليقة كهلاً لا احد يعرف على وجه الدقة قدراته الجسدية والعقلية والنفسية. وها هو الآن يترشح لولاية رابعة، بأكثر السبل التباساً.

فالإعلان جاء على لسان رئيس الحكومة رئيس اللجنة العليا للانتخابات عبدالمالك سلال الذي يفرض عليه موقعه الحياد التام بين المرشحين ناهيك عن إعلان ترشيح احدهم رسمياً. وإذا كانت ثمة أسباب تمنع الرئيس من إعلان ترشيحه بنفسه، فكيف يمكن له ان يحكم لولاية جديدة في ظل نظام رئاسي يفرض عليه حضوراً دائماً ومسؤوليات كثيرة؟

سبق اعلان الترشيح رسمياً، تسريب من شخصيات محسوبة على الرئيس مثل الأمين العام لحزب جبهة التحرير عمار السعداني الذي كان اول من اعلن عزم الرئيس على البقاء في قصر المرادية وهاجم رموزاً اساسية في المؤسسة العسكرية، خصوصاً الجنرال محمد مدين (توفيق). فاستخلص المحللون ان ثمة نزاعاً بين المحيطين بالرئيس، خصوصاً نائبه في وزارة الدفاع ورئيس الأركان الجنرال قايد صالح، مدعوماً من شقيقي الرئيس عبد الغني والسعيد، وبين المؤسسة العسكرية. ليأتي الترشيح الرسمي لإظهار مواصلة المعركة لإبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة. بما يجعله نوعاً من الاستجابة لكثير من المطالب السياسية في هذا الشأن.

لكن في ظل عدم اليقين في شأن خريطة الخصومات بين الجنرالات، وهي عموماً خصومات تظل مضبوطة تحت سقف تقاسم السلطات والمنافع، لا يشكل ترشيح بوتفليقة تحدياً للمؤسسة العسكرية. اذ انه عندما كان في ذروة قوته، في الولاية الأولى، انتقد علناً الجنرال توفيق الذي لم يزل حتى الآن، رغم تجاوزه السبعين من العمر، يشغل مدير المخابرات (دائرة الاستعلام والأمن).

وربما لهذه الأسباب، نشرت صحف جزائرية ان الدوافع عن الترشيح ينبغي البحث عنها ضمن عائلة بوتفليقة وليس في مكان آخر. فسعيد، الأخ المعد للوراثة، غير مقبول وتحوم حوله شبهات استغلال نفوذ وإثراء غير مشروع، في الوقت الذي لم يملك وضعاً سياسياً يؤهله تولي الرئاسة. فالنفوذ الذي مارسه المقربون، خصوصاً في الولاية الثالثة للرئيس، يبقى مضموناً ما دام الرئيس في قصر المرادية. الأمر الذي يفرض بقاءه لولاية رابعة.

وقبل الانتخابات المقررة في 17 الشهر المقبل، وفي ظل عجز الرئيس عن القيام بحملة انتخابية، ستتولى شخصيات من احزاب الغالبية الرئاسية تنشيط المهرجانات الانتخابية. بما يعني ان هذه الشخصيات هي التي ستنطق باسم المرشح الذي لا يشك احد في فوزه، في ظل مقاطعة الإسلاميين وقسم من المعارضة وفي ظل مواصلة دعم المؤسسة العسكرية.

ويبقى السؤال عمن سيحكم الجزائر خلال الولاية الرابعة لبوتفليقة. قد يكون خليطاً من شخصيات قريبة للرئيس وحزبيين يشكلون صلة الوصل مع القاعدة الشعبية والانتخابية وجنرالات. هذه المجموعة هي نفسها التي أدارت شؤون البلاد خلال الولاية الثالثة، وستديرها لولاية جديدة باسم بوتفليقة الذي تتساءل الصحف الجزائرية عن إمكان انه يدرك ويعي انه مرشح أم لا. لقد بات بوتفليقة اسماً مستعاراً لهذه المجموعة التي تشكل هذا المحفل.