بعد أشهر على بدء ولاية الرئيس الايراني حسن روحاني، تكسرت حالة السلم البارد بين الحكومة والحرس الثوري الذي لم يألُ جهداً من أجل إنجاح المرشح المتشدد سعيد جليلي، واتجهت العلاقات بين الطرفين، منذ اسابيع، نحو التوتر.

في السابق، حتى الخلاف على الإتفاقية النووية لم يتحول إلى سجال بين الطرفين، ولكن يبدو أن الخـطة الاستـــفزازية للحرس الثوري بدأت تأخذ هذه العلاقات صوب التوتر بالتدريج، بخاصة في ظل حدة لهجة المرشد الأعلى علي خامنئي تجاه الأميركيين في الأيام الأخيرة وتكراره مقولة عدم الثقة بهم في المفاوضات.

بدأ الخلاف بين الحرس والحكومة يظهر بعد عدم تجاوب وزارة الخارجية الإيرانية مع زيارة الوفد العسكري الكوري الشمالي لطهران، قبيل إجراء المناوراة الصاروخية الأخيرة في 10 شباط (فبراير). ويقول جواد قدوسي نائب مشهد المتشدد، في البرلمان إن وزارة الخارجية الإيرانية منعت قدوم الوفد العسكري الكوري الشمالي استجابة لطلب المندوب الدائم للولايات المتحدة الأميركية في مقر الأمم المتحدة، وعبّر الحرس الثوري عن استيائه من هذا القرار، عبر نواب في البرلمان كانوا سابقاً من أعضاء الحرس الثوري. وأرسل 24 نائباً من الحرس السابقين ومقربين منهم مذكرة إلى روحاني، تحتج على عرقلة الحكومة في مسار تطوير المخططات الصاروخية، تضليلاً للرأي العام وأعربوا عن انزعاجهم من تصرف الرئيس في عدم دعم إجراء المناورات الصاروخية والعسكرية.

وجاء في البيان الذي ألقي في جلسة البرلمان يوم الأحد، إنه للمرة الأولى بعد 10 أعوام يتم تجميد رخصة إجراء المناورة العظيمة الصاروخية السنوية للقوات المسلحة في الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي.

ولكن يبدو أن هذا الاتهام لم يكن المقصود توجيهه إلى الحكومة، بل المقصود هو إعاقة وزارة الخارجية مجيء خبراء عسكريين كوريين في مجال الصواريخ.

ووجه هؤلاء النواب في مذكرتهم، انتقاداً لوزير الخارجية محمد جواد ظريف، على عدم دعمه تنمية التقدم العسكري والدفاعي وإعاقة زيارة وفود عسكرية خارجية بهدف توسيع الطاقة الصاروخية الإيرانية.

وسأل هؤلاء النواب وزير الخارجية laquo;لماذا تمانع وزارة الخارجية وبتحريض من السفير الأميركي في الأمم المتحدة، سفر خبراء أجانب إلى إيران لتنمية طاقات إيران الصاروخيةraquo;؟

العقوبات الدولية

يلاحظ أن هؤلاء النواب لم يصرحوا بهوية هؤلاء الخبراء كونهم من كوريا الشمالية. لأن من المفترض أنهم يعرفون السبب في التحذير الأميركي لإيران، وهو العقوبات الدولية المقررة بحق كوريا الشمالية، ما يجعل من العمل معها في المجالات العسـكرية، خرقاً لهذه العقوبات.

وعلى رغم عدم قدوم الوفد الكوري الشمالي إلى إيران، إلا أن المناورات العسكرية، تمت بنجاح وهنأ الرئيس روحاني-ربما مرغماً- الحرس على نجاحه في تحقيق هذا الإنجاز، ليثبت، زيف ادعاء نواب الحرس المتشددين، اذ إنّ مناورات كهذه لا تُجرى إلا بعد حصول رخصة من مجلس الأمن القومي الذي يترأسه رئيس الجمهورية. ومن الواضح أن هذا المجلس، أيضاً ليس بيده اتخاذ القرار وإنما التوقيع، في ظل سيف ولي الفقيه الحاسم. والمقصود هو أن ما يمكن إنجازه لوزارة الخارجية الإيرانية، بمساعدة التبريرات القانونية الدولية، مستحيل إنجازه لمجلس الأمن القومي الإيراني.

ولم تتوقف المشادات الكلامية بين الطرفين، حتى عاتب الرئيس روحاني في خطاب له أمام الجامعيين - الأسبوع الماضي - الأكاديميين والطلاب بسبب التـزامهم الصــمت امام القضايا المصيرية قائلاً: لماذا يحق لغير المتعلمين حصرياً أن يتحـــدثوا ويبدوا آراءَهم حول هذه القضايا، بينما الأساتذة الجامعيون صامتون أو يتحدثون خلف الكواليس ويرسلـــون رسائل سرية لرئيس الجمهورية؟ وأعـــرب الرئيس عن أمله بأن يكسر الأساتذة صمتهم ويتحلوا بالشجاعة أسوة بسقراط.

ورغم أن روحاني لم يكشف عن هوية هذه المصــادر الممولة لغير المتعلمين الذين احتلوا الساحة بل الساحات في إيران، بينما هو يدعو أســــاتذة جامعيين إلى الصراحة والشــجاعة والتشــبه بسقراط الذي شرب الســـم من أجل الحقيقة، إلا أن قائد الحرس الجنـــرال محــمد علي جعفري، وفي رده على انتقاد الرئيـــس اتهم الباحثين الأكاديميين بالتبــسيطية واجترار معطيات غربية ودعا أعضاء الحرس لجهاد علمي، بتأسيـــس علوم إنسانية بمرجعيات قرآنية وثورية ودينية، وطالبهم بالتقدم في هذا المجال، واقترح لكل من لا يريد مواكبة هذا الطريق الصعب، أن يتخلى عن وظيفته.

وفي دعوة الجنرال إلى تأسيس علوم إنسانية جديدة، بمرجعية إسلامية، رد صريح على كلام روحاني، قبل أسبوعين، حيث أعرب عن قلقه من تخلف العلوم الإنسانية في إيران، بينما تـــشهد البلد تقدماً ملحوظاً في مجال العلوم الطبيعية. وعزا الرئيس روحاني، السبــــب إلى أن العلوم الطبيعية والريـــاضية والكيمياء والفيزياء ليســـت مجالاً لنــــقد السلطة، ولهذا السبب نتقدم فيها ولكن العلوم السياسية والإنسانية، تثير الإزعاج والنقد والقلق، فالطريق للتقدم والإبداع فيها مغلق.

ولم يكتف الحرس بهذا القدر من المواجهات الكلامية، بل أعلن الثلثاء الماضي على لسان الجنرال جزائري، المساعد الثقافي لقائد الحرس الثوري، عن معارضته مجيء أوركسترا اميركية إلى إيران، وقال إن لا أحد في إيران ينتظر مجيء هذه المجموعة. وهذا موقف واضح تجاه الحكومة ورسالة صريحة بأن هذا القرار رد مباشر على منع الوزارة الخارجية مجـيء خبـراء عسكريين من كوريا الشمالية.

وما يقوي هذا الاحتمال ويثير الاستغراب هو أن موعد سفر هذه المجموعة الأميركية كان في أيلول (سبتمبر) المقبل وما من داع لتسرع الحرس في اتخاذ موقف متشدد منه، قبل سبعة أشهر.