&عبد الله بن بجاد العتيبي
&

&الخبر الذي أعلنته وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي 7 مايو (أيار) خبر يجب أن يثير ما يستحقه من جدل ونقاش، وملخص الخبر هو الإعلان عن اكتشاف تنظيم جديد بشبكة متكاملة فيها كل عناصر التنظيمات الإرهابية، من البيعة والسرية والهرمية والتمويل والتخطيط والتجنيد والتدريب، ولكنه هذه المرة لم يأت من تنظيم القاعدة الأم، الذي أصابه الكثير من الوهن، ولا مما كان يُعرف بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي قضت عليه السعودية، حتى ألجأته لليمن، وإنما من تنظيم فرعي جديد هو تنظيم دولة العراق والشام، المعروف بـ«داعش».

السؤال المهم اليوم هو كيف وصلنا إلى «داعش»؟ والجواب هو أن انتفاضات ما كان يُعرف بالربيع العربي كانت ربيعا أصوليا بامتياز، سواء لحركات الإسلام السياسي أم لحركات العنف الديني، وأن الأخيرة انتعشت تحت حكم الأولى سواء في مصر أم تونس أم في فوضى ليبيا واليمن، ولم تزل تنمو وتتوسع. وإن كانت مصر قد نجت من ذلك الربيع الأصولي، ولكنها ستظل أمدا غير قصير في مواجهة الأولويات الأصولية وخطاب الأصوليات بشكل عام.

في الحالة السورية، فإن السبب المباشر لخروج تنظيمات القاعدة كـ«النصرة» و«داعش» هو تقاعس القوى الكبرى في العالم عن أي دور ذي تأثير في وقف عنف النظام ضد شعبه، ولم تحرك ساكنا عندما تطور ذلك العنف لاحقا إلى حرب طائفية على نطاق واسع برعاية إيرانية كاملة، والصبغة الطائفية فاقعة اللون كان واضحا أنها ستلد ما يناقضها على الجهة الأخرى من الاصطفاف الطائفي، هذا بمنطق التاريخ، وقد ساعدت إيران على خلق ورعاية تنظيمات من هذا النقيض الطائفي في وجهه السني تكون مهمتها شق صفوف الجيش السوري الحر، ومساعدة النظام على البقاء بوعي أو من دونه، لا فرق، أقله لدى الشباب المغرر به.

كتب كاتب هذه السطور في بداية الأزمة السورية أن الصمت عما يجري في سوريا سيخلق بيئة مناسبة لخلق وتناسل تنظيمات العنف الديني، كتنظيمات القاعدة، وأنه ما لم يبادر العالم إلى حل سياسي يحسم الأزمة، فسوف يصطلون بنارها لاحقا، وهو ما نراه اليوم من استنفار كبير في الدول الغربية وتحذيرات عالية النبرة من عودة المقاتلين الأوروبيين إلى بلدانهم، أو من التخطيط لعمليات ضد الغرب تنطلق من سوريا التي أصبحت مرتعا وخيما لكل أنواع التنظيمات الإرهابية.

تنظيمات القاعدة بيادق إيران، من «القاعدة» الأم إلى التنظيمات الفرعية؛ القديم منها والجديد، فقد ظلت إيران منذ ما بعد 2001 ملجأ وملاذا للهاربين من أتون الحرب في أفغانستان، ولم تلبث إيران أن استغلت ذلك لتصبح بؤرة لقيادات التنظيم، تتحرك تحت عينها وبتخطيطها، وفي 2003 استطاعت أن تكون جسرا ينقل عناصر «القاعدة» من أفغانستان وباكستان إلى العراق، وهي اليوم تتحكم بتنظيمات القاعدة الجديدة في العراق وسوريا واليمن.

رغم اختلاف الآيديولوجيا، فقد جمع الطرفان العداء المستحكم لديهما للسعودية، ومعهما جماعة الإخوان المسلمين ورموزها وقيادتها، فها هو أول تنظيم فرعي لـ«داعش» يستهدف السعودية، وهو ما كانت تصنعه «القاعدة» منذ إنشائها، وفشلت فيه، وستفشل.

استشعارا للخطر المحدق، فقد استبقت السعودية ذلك بقانون مكافحة الإرهاب وتجريم المغررين بالشباب السعودي المستهدف، وإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وموقفها القوي سياسيا تجاه الأزمة السورية وتجاه حماية الدول العربية من محاولات الهيمنة وبسط النفوذ الإيرانية.

هذه المنظومة السعودية الجديدة من السياسات المعلنة إقليميا في سوريا واليمن ومصر، مع التشريعات النظامية الجديدة، مع القوة الأمنية الضاربة، كفيلة بإحداث فرق في مواجهة الخصوم، ومنها التنظيمات الإرهابية، وهي بحاجة لشيء من التكامل في الداخل للقضاء على أي جذور فكرية أو رموز تحريضية لاستنقاذ الأجيال السعودية الشابة من أن تكون وسيلة بيد أي أحد لتنفيذ أجندته بدماء أولئك الشباب.

كتبت الصحف تفاصيل الخبر المهم من التنظيمات النسائية إلى الأموال الخارجية، وكذلك الدور الإيراني، غير أن الإشارة الأخطر هي أن مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر» و«فيسبوك»، قد أصبحت تشكل مواطن للتجنيد وبناء التنظيمات واستقطاب العناصر، وجمع التبرعات، ونحوها، وهي خطيرة، لأن تلك المواقع يرتع فيها الراتعون بلا زمام ولا خطام من المتطرفين بكل أصنافهم وتوجهاتهم، وانتقال تلك التطرفات لتصبح مؤثرة في الواقع الحقيقي لا الافتراضي هو نذير شؤم يجب الحذر الشديد منه، وإيجاد الآليات المناسبة لمواجهته وتحجيمه.

من الحقائق المعروفة للمتابع أن «القاعدة» بكل تنظيماتها لم تقم بعملية واحدة ضد إيران، ولا ضد الأحزاب التابعة لها، كحزب الله في لبنان وحركة الحوثي في اليمن، ومنها أن داعية واحدا من المحرضين لم يذهب ليقاتل في مواضع الاضطرابات، كسوريا، بل وأبناؤهم كذلك؛ الداعية يذهب صيفا لسهول تركيا الخصبة أو سائحا لأوروبا، وابنه مبتعث في أرقى جامعات العالم، وأبناء الآخرين يذهبون حطبا في نار التحريض!

من «بلاي ستيشن» إلى «جبهة النصرة». قصة معبرة في هذا السياق تختصر التغرير بالشباب السعودي، رواها في برنامج الثامنة للإعلامي داود الشريان «الشاب مسفر» الذي أعادته لوطنه دموع والدته (أم محمد) في حلقة سابقة من البرنامج نفسه، تلك الدموع التي كان قد تندر بها دعاة التحريض والفتنة، واعتبرها أحدهم تمثيلية مدبرة!

ثمة «سوق نخاسة» للصغار من الشباب السعودي، تحت شعارات «الجهاد» بمعناه الجديد، الذي صنعه وأجاده من يُسمون بـ«الدعاة»، وليس بمعناه الديني، وأمثاله من المفاهيم المتطرفة والأساليب التحريضية التي تجعل من الشاب فريسة سهلة لتنظيمات الإرهاب، وما لم يتم تطبيق التشريعات الجديدة بصرامة على المحرضين، فإننا لن نستطيع كسر هذه الدائرة المغلقة من الإرهاب.

إن فضح ارتباطات تنظيمات العنف الديني، كتنظيم القاعدة وجماعات الإسلام السياسي، كجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن غيا، بل وعي، بخطرها على الشباب والدول والأوطان. هذه جماعات إرهابية، وقياداتها إرهابيون بالتعريف والتوصيف.

أخيرا، فإن حرب السعودية ضد الإرهاب هي استراتيجية متواصلة لم تزل تطورها بتشريعات وأنظمة داخلية وبنجاحات متوالية، وكذلك بتحالفات خليجية وإقليمية ودولية، والتنظيمات الإرهابية تنجح في العمالة والتخريب، ولكنها لا تسقط الدول، خاصة تلك التي تعرفها جيدا وهزمتها من قبل.



&