سركيس نعوم

في شهر شباط الماضي، تلقيت معلومات وتحليلات من شخصية أميركية، متابعة من زمان الوضع السوري تفيد "أن النظام السوري شارك في مؤتمر جنيف، لأنه كان يأمل في التوصل الى صفقة مع الولايات المتحدة. وهو كان مستعداً لقبول وقف اطلاق نار، والسماح للمساعدات الانسانية بعبور "خطوطه"، وذلك كي تصل الى السوريين المحاصرين في مناطق عدة. لكن المقابل كان اتخاذ أميركا قراراً بابقائه حيث هو، وبعدم السعي الى استبداله. طبعاً لم تقبل واشنطن هذا المقابل، ولذلك فأنا لا أعتقد أنه سيعود إلى جنيف 3 إذا عُقِد، وأشك في أن يعقد قريباً. إذ ربما يكون مقتنعاً بأنه عاد الى "الربح" عسكرياً، ولم يعد في حاجة إليه. لكن ما لا يعرفه الأسد، أو لا يريد أن يعترف به هو، أن حرب استنزاف ستبدأ (بدأت وهي في تصاعد سريع)، ومن المشكوك فيه كثيراً أن يربحها في النهاية. فالذين يؤيدونه في بلاده يمثلون نحو 25 في المئة من الشعب السوري، ومعظمهم من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها، ومن المسيحيين. أما الباقون، فيعارضونه بشدة على رغم اختلافاتهم وتقاتلهم عسكرياً، ويعبِّرون عن موقفهم هذا بالسياسة وبالعمل العسكري. وسيجعله ذلك ينزف. لكن بلوغ نقطة النهاية في هذا الصراع، يحتاج على الأقل من سنتين إلى ثلاث سنوات". وتفيد معلومات وتحليلات الشخصية الأميركية نفسها، "أن الوضع السوري في النهاية يتوقف على ايجاد حل له، أو استمراره متصاعداً، على إيران الاسلامية وروسيا بوتين. فالمسؤولون في طهران يدركون أن حسابات الاسد خاطئة، ويريدون التوصّل الى نهاية لما يحصل في سوريا، لأنهم يخشون أن يؤذي استمرار الحرب فيها جهودهم الرامية إلى إيجاد تسوية أو تفاهم أو صفقة مع واشنطن، وهم يريدون أياً من هذه "الحلول". كما يخشون فقدانهم ضبط الاوضاع والسيطرة عليها، ولا سيما من منظور إقليمي".


بعد ذلك بأسابيع تلقّيت من شخصية أميركية أخرى، متابعة ايضاً ومن زمان الموضوع السوري معلومات وتحليلات عنه، كما عن الطريقة التي عالجت بها الولايات المتحدة أو حاولت أن تعالج الأزمة – الحرب في سوريا. وهي تفيد "أن الإدراة الأميركية، فشلت في فهم ما يجري في هذه الدولة. ولا يزال فشلها هذا مستمراً، فهي وضعت آمالها كلها على مؤتمري جنيف اللذين فشلا، كما فشلت معهما سياسة الحد الأدنى (Minimalist) الاميركية. علماً انه كان واضحاً منذ البداية، أو كان يجب أن يكون واضحاً، ان المصالحة بين المتحاربين في سوريا مستحيلة، وخصوصاً بعد المجازر البشعة التي ارتُكبت. وسبب فشل واشنطن كمَن في عدم فهمها ديناميات ما كان يجري داخل سوريا. فهي أملت في أن يفاوض الأسد باخلاص وايمان، ولم تُدرك أنه لن يناقش أبداً تخليه عن السلطة، أو أي موضوع آخر من شأنه اضعاف سيطرة نظامه، أو بالأحرى طائفته على بلاده. فهو كان مستعداً لمناقشة بازار في جنيف 2 (تفاصيله وردت في المعلومات والتحليلات المذكورة أعلاه)، وكان مقتنعاً بأن أميركا لن تذهب أبعد من سياسة الحد الأدنى التي اعتمدتها منذ بداية الثورة التي تحولت حرباً". وتفيد معلومات وتحليلات الشخصية الأميركية إياها، "أن السياسة السورية الفاشلة لأميركا أوباما، هي موضع مراجعة الآن. والمراجعة لن تكون ناجحة، إذا لم تفهم أخيراً، وفي صورة شاملة وكاملة، ديناميات ما يجري داخل سوريا وفي المنطقة". وتذكُر هذه الشخصية حديثاً جرى، قبل سنوات طويلة، بين أميركي كان على اتصال شبه منتظم مع دمشق، أيام رئيسها الراحل حافظ الأسد، مع "مسؤول" سوري قال فيه الأخير: "فعلنا ما فعلناه عام 1982 في حماه، للإبلاغ إلى "الغالبية" في المدن الأخرى، اننا مستعدون لتدميرها إذا انتفضت، أو تمرّدت علينا. وبدا واضحاً في حينه لهذا الأميركي، أن طائفة الرئيس عاشت دائماً في خوف من انتفاض أو تمرّد كالذي حصل في تلك المدينة. ولهذا السبب كان ردُّها بعنف شديد، عندما بدأت التظاهرات السلمية المطالبة بالاصلاح تسير في شوارع المدن السورية. وكان ذلك خطاً كبيراً من الرئيس بشار الأسد، إذ كان في امكانه احتواء ما يجري في بدايته، مستفيداً من النجاح في ذلك من انقسام أبناء "الغالبية"، وذلك بالتفاهم على صيغة تحقَّق بعض المطالب الاصلاحية، التي لا تهدد النظام وأمنه".


ماذا تضمنت معلومات الشخصية الأميركية الثانية وتحليلاتها وهل أنجزت أميركا أوباما إعادة النظر في سياستها السورية؟ وهل الحلول السلمية لأزمة سوريا لا تزال ممكنة؟