عقل العقل

في خطوة متقدمة للتعاطي مع استغلال رجال الدين للسياسة، ولما لهم من تأثير قوي ومتقدم مقارنة بالأحزاب والآيدلوجيات القومية والعلمانية، أصدر العاهل المغربي أخيراً قانوناً يمنع اشتغال رجال الدين بالسياسة، الذي أعتقد أنه جاء على خلفية ما يجري في العالم العربي من صراعات سياسية وصلت إلى حد الحروب الأهلية بخاصة في سورية والعراق، فمن هذا المشهد نجد أن رجال الدين ومجموعات الإسلام السياسي هي من تقود المشهد، وتتخاصم وتتقاتل فيما بينها كل منها يقول إنه يمثل الإسلام الصحيح، فهل ما يقوم به رجال الدين في هذا المجال لمصلحة الدين الإسلامي خصوصاً أننا نشاهد القتل بشكل غير مسبوق بين المسلمين، كل هذا يعطي صورة للعالم أن العنف والقتل مرتبط بالإسلام، ومن يشاهد القنوات التلفزيونية العالمية يصدم بربط القتل والإرهاب بالدين الإسلامي.

لا يمكن التشكيك في ما لرجل الدين من تأثير في مجتمعاتنا، ولكن هل انخراطه في العمل السياسي له إيجابيات أم أن سلبياته تطغي على ذلك؟ السياسة تنظم علاقة الإنسان بشؤونه الدنيوية، والسياسي وكما هو معروف لا يثبت على موقف ولا تحكمه أخلاقيات أو مبادئ، فالذي يحركه هو مصلحة بلاده أو حزبه وليس قيم سماوية محددة، أما الدين فهو يقوم على مبادئ وأخلاقيات ثابتة ومنصوص عليها في النصوص الدينية، فإذا اشتغل الديني بالسياسة وتزعم حزباً معيناً في العملية السياسية فلا يمكن أن نطلب من خصومه مثلاً عدم نقد خطابه السياسي الذي تغطي عليه الصفة الدينية، وقد يصل إلى مرحلة القداسة، ولكن الواقع يعطينا أن من يعملون في السياسة من رجال الدين بشر لهم مزاياهم وعيوبهم، ورفع النصوص الدينية لا يعني قدسيتهم وحصانتهم ضد النقد من خصومهم.

الخطورة تكمن في ما نشاهده من أن رجال الدين يخلطون بين برامجهم السياسية والدين، وأي نقد لتلك البرامج هو ضد الدين، وهذا للأسف يلقى قبولا لدى مجتمعاتنا العربية التي يُضحك عليها بهذا الخلط، وقد تصل النتيجة إلي إصدار الفتاوى بالقتل والكفر والردة ضد الخصوم السياسيين.

ما نشهده اليوم في عالمنا العربي من إقصاء وحروب تشن باسم الدين نتيجة طبيعية لانخراط رجال الدين في السياسة، فهم صوروا لنا أن من يخالفهم بالقضايا السياسية كفرة وعلمانيون وتغريبيون، وقد لا أكون مبالغاً أننا في هذا الوضع ستطالب الشعوب العربية يوماً ما بإبعاد الديني عن السياسة، فماذا جنينا من إقحام الدين هناك إلا مزيداً من التشرذم والتقسيم على أسس دينية ومذهبية كلها تقترف باسم الدين، وكل يدعي أنه يمثل الإسلام الصحيح، وقد تطالب هذه الشعوب الإسلامية بمنع استخدام الدين في السياسة، والتي كان معمولاً بها من بعض الأنظمة العربية سابقاً، حينما حظرت قيام الأحزاب السياسية على أساس ديني، ولكن بعد سقوط بعض تلك الأنظمة اكتسحت الأحزاب الدينية المشهد السياسي العربي، فماذا كانت النتيجة؟ هل قبلنا مثلاً بالتعديدية السياسية واحترام حقوق الإنسان؟ العكس هو الصحيح فضحايا الإرهاب بالآلاف في عالمنا العربي، وكلٌ يقتل باسم الدين ويدعي أنه هو المخلص والمنقذ.

العالم الغربي مرّ بهذه التجربة المريرة عندما كانت الكنيسة تحكمه وخاضت تلك الشعوب حروباً واقتتالاً باسم الدين، وتكونت طبقة رجال الدين هناك، والتي حاربت التقدم الاجتماعي والعلمي وأعدمت الفلاسفة والعلماء، هل نحن مجبرين أن نعيش التجربة المريرة نفسها وندفع ثمنها من دماء شعوبنا؟ يبدو أن المشهد الحالي ينبئ بذلك، فالإسلام يحرم قتل النفس ويعظمها، ولكن نجد هذه التيارات والأحزاب الإسلامية تشرنع للقتل منطلقة من فتاوى لرجال دين يطلقونها كل يوم، ونجد شباب المسلمين ينفذونها بحرفية واستعجال للانتقال إلي الجنة والظفر بحور العين.. أي وضع مأساوي نمر به؟

&


&