سمير صالحة

التحالف الثلاثي الجديد بين حزب الشعب الجمهوري اليساري، والحركة القومية اليمينية، وجماعة العلامة فتح الله غولن، يقول إن وجدان الناخب التركي لن يسمح باختيار رجب طيب إردوغان رئيسا للدولة، وإنه لن يترك إردوغان وحده يقرر مصير البلاد والأخير يقول إن مخططه دستوري سياسي استراتيجي لا مكان فيه للمعارضة التقليدية، وإن خطوته المقبلة هي التحضير لتصفية هذه القيادات التي تعرقل مشاريعه.


«سامبا» المعارضة التركية لم تؤثر في موقف الناخب كما يبدو حتى الساعة، ليس لأن «ماكينات» إردوغان تكتسح المشهد السياسي التركي، وليس لأن هدف إنزال إردوغان من على عرشه يزداد صعوبة؛ بل لأن المعارضة نفسها لا تريد أصلا مواجهة إردوغان في مطلع أغسطس (آب) المقبل.


ليس اكتشافا جديدا، بل هو تكرار ما بات معروفا من قبل الجميع في البلاد. معارضة تركيا تتعيش على ما يرتكبه إردوغان من أخطاء وما يقدمه لها الإعلام اليومي من فرص وما تنصح به جماعة فتح الله غولن. هي تريد هندسة السياسة في تركيا، لكن ما تملكه من أدوات وإمكانات وما تقدمه من بدائل لا يسمح لها بذلك. معارضة تزعم أنها وراء بناء تكتل سياسي انتخابي واسع لإسقاط إردوغان، لكن الحقيقة هي أنها تريد المقاومة باتجاه إرجاء فوز إردوغان إلى الجولة الثانية من الانتخابات لتسجل انتصارا أمام محازبيها، حتى ولو كان الثمن إحراق أوراق إحسان أوغلي نفسه.


مقابل الشعار الذي رفعه إردوغان في حملته الانتخابية «رؤية لتركيا الجديدة»، اختارت المعارضة لمرشحها أكمل الدين إحسان أوغلي شعار «من أجل أكمك (الخبز بالتركية) أكمل الدين»، فانهالت التغريدات التي تتساءل: «وهل يعتقد مرشح المعارضة أن المنافسة ستجري في أحد بلدان المجاعة.. يبدو أن إحسان أوغلي نسي الأرقام الاقتصادية الإنمائية التي حققتها تركيا في السنوات الأخيرة؟» مغرد آخر كتب يقول: «أكمل الدين إحسان أوغلي يعتقد أنه سينافس إردوغان على مقعد نقابات أصحاب الأفران في تركيا وليس على مقعد رئاسة الجمهورية». المعارضة التي اختارت إحسان أوغلي تريد منه أن يساعدها في إيصال إردوغان إلى مقعد الرئاسة لتحييده وتقييده وإضعاف حزبه وتفتيته وترسيخ مساحة التعاون استعدادا لمعركة الانتخابات البرلمانية المرتقبة في مطلع الصيف المقبل.


قيادات المعارضة التركية تتمسك بمفاجأة ستحدث في الفترة الزمنية الواقعة بين انتخابات الرئاسة في 10 أغسطس المقبل، والانتخابات العامة المقررة في يونيو (حزيران) العام المقبل تقلب الحسابات والمعادلات وتحقق لها ما تريد. لكن أنصار «العدالة والتنمية» يريدون إردوغان رئيسا بصلاحيات واسعة؛ دستور تركي جديد، ونظام رئاسي بدل البرلماني القائم، وإردوغان يعدها بمفاجأة أخرى تبعدها تماما عن المشهد، انتخابات نيابية مبكرة في تركيا.
النقاش من البعيد يبدو كأنه يدور حول الاسم، لكن الحقيقة هي أن ما يجري له علاقة مباشرة بالرؤى والصلاحيات التي سيتمتع بها هذا الاسم والمهام التي تنتظره.


الانتخابات الرئاسية التركية ليست مجرد تصويت لاختيار رئيس، بل هي عملية إزاحة نهج وآيديولوجيا وفلسفة سياسية موجودة منذ أكثر من 90 عاما، واستبدال رؤية مغايرة بها، تقود تركيا نحو عام 2023 وهو تاريخ الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية، وتحضير الشباب الأتراك لتسلم البيرق لإيصال تركيا إلى عام 2053 وهو تاريخ مرور ألف عام على فتح القسطنطينية، وعام 2071 ذكرى انطلاقة الإمبراطورية العثمانية باتجاه الأناضول في مرحلة التأسيس والانتشار.


المتعارف عليه في الأنظمة الديمقراطية هو أن تختار الأحزاب السياسية مرشحيها التي ترى فيهم الكفاءة والقدرة على المنافسة، فتدعمهم وتحاول إيصالهم إلى الحكم. قرأ إحسان أوغلي بيانه الصحافي أمام العشرات من الإعلاميين في فندق «تشراغان»، بينما قدم إردوغان رؤيته لتركيا الجديدة في كتيب صغير وزعه على أكثر من أربعة آلاف مدعو إلى مركز الخليج للمؤتمرات، شكلوا نخبة سياسية وفكرية وفنية تمثل شرائح المجتمع التركي. إحسان أوغلي اختار مكانا تاريخيا يذكر بالعهد العثماني وقصور الأجداد، بينما رجح إردوغان مكانا كان لا يمكن الوقوف فيه قبل سنوات بسبب تلوث البيئة والروائح الكريهة المنبعثة من مياه الخليج، الذي حوله «العدالة» إلى منتجع سياحي ومتنزه يقصده الآلاف يوميا، بعدما شقوا قناة تحت الماء تسهل وصول مياه مرمرة إلى المكان وتعيد إليه حيويته وحياته البحرية.


إحسان أوغلي يتحدث في مسألة الوقوف على مسافة واحدة من الجميع ويردد أنه سيتمسك بالمادة من 104 من الدستور الذي أقره العسكر في انقلاب عام 1980، وبالنظام البرلماني القائم، لكن إردوغان يقول إنه لن يكون رئيسا محايدا، وإنه سيكون دائما في قلب القرار السياسي، وإن الهدف هو إعادة تنظيم البنية والهيكلية السياسية الدستورية القضائية الثقافية في تركيا.


آخر استطلاعين للرأي نشرا صباح الاثنين الماضي، لا يختلفان كثيرا عن استطلاعات صدرت إلى العلن في الأسبوعين الأخيرين، وهي تعطي إردوغان 55 في المائة من مجموع الأصوات واحتمال فوزه من الجولة الأولى في انتخابات الرئاسة، بينما تمنح إحسان أوغلي 37 في المائة فقط.. فعلى من سيراهن كيليشدار أوغلو وبهشلي لإنقاذ «سيناريو المثلث» الشهير للإطاحة بإردوغان؟ بالمناسبة الإعلام التركي يتناقل تفاصيل الحوار الصحافي الذي أجري مع الكاتب والإعلامي الواسع الاطلاع عوني أوزغورال الذي يكشف فيه عن القشة التي أطاحت بالعلاقة بين إردوغان وغولن في عملية 7 فبراير (شباط) عام 2012 التي كانت تستهدف اعتقال وسجن رئيس جهاز المخابرات التركية هاقان فيدان، وإعلان رئيس وزراء تركي مؤقت بدلا من إردوغان الذي كان يستعد لإجراء عملية جراحية عاجلة ألغاها وغادر العناية الفائقة ليقود من هناك حرب صيد الساحرات ضد ما يسميه هو «رجل بنسلفانيا». فما الورقة المتبقية التي ستلعبها المعارضة في مخطط تسهيل إيصال إردوغان إلى قصر الرئاسة في «شنقايا»؟ ربما إقناع صلاح الدين دميرطاش وأكراد تركيا بعدم التخلي عن إردوغان الذي يتعاون معهم في ملف حل المشكلة الكردية.