محمد عارف
&
كردي فاتَهُ حضور مجلس عزاء صديقه المتوفي، ونصحته زوجته أن يزور منزل صديقه المرحوم، ويتظاهر بأنه لم يسمع خبر وفاته. وأخذ الكردي بالنصيحة، وبعد السلام والترحيب وشرب القهوة سأل أهلَ صديقِه: «المرحوم وين»! هذا فحوى الرسالة المفتوحة، التي وجهها رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، «إلى الشعب العراقي وقواه الوطنية». وما وراء سطور الرسالة نكات عدة، منها مثلا قوله إن المالكي «اعتبر سقوط نينوى وصلاح الدين وديالي، وقصبات أخرى، مؤامرة شارك فيها الاقليم، لتحقيق هدفهم في الاستيلاء على المناطق التي استقطعها النظام الدكتاتوري السابق في إطار سياسة التعريب والتبعيث». وهذه العبارة التي تنفي فيما تؤكد مثل نكتة عن كردي تَعَّشى بِبَطّة الجيران، وعندما حيّاه الجار في اليوم التالي: صباح الخير، قال الكردي: يا بَطّة؟
&
ونكات هي إشارات البرزاني للدستور 17 مرة، ومنها قوله: «لم نتخذ ما يتعارض مع الدستور من خطوات أو تدابير مخالفة له، مع أننا كنا نستطيع فرض أمر واقع على ما نراه حقاً واستحقاقاً دستورياً، في تلك المرحلة حيث لم يكن البعض قادراً على مواجهة ذلك». وأضاف: «تطبيق الدستور، على عِلاّته ونواقصه، يجسد مرحلة مقبولة من مفهومنا لتقرير المصير». واستحقاقات النكات على الدستور أكثر من أيّ دستور عراقي في التاريخ، فهو الذي يُفترضُ أن يكون نصاً مقدساً، تعامل معه الجميع كما في النكتة عن كردي اشترى حذاءً، وقال له البائع: «راح يزعجك بالمشي أول ثلاثة أيام»، فَلَبسه في اليوم الرابع.
&
والنكات، سواء أكانت مع الأكراد أو ضدّهم، مفتاح لفهم حكمتهم، وحكمة الأكراد نكتة لا تخطر على بال العراقيين، من أكراد أو غير أكراد، والحرمان منها مظلومية، وهذه نكتة ليست نكتة، فجميع النكات ضد الشيعة، أو معهم ضد السُنة، قبيحة وسمجة وغبية. والنكات لا تصدر إلا عن قلب ذكي ونفس جميلة، وأذكاها وأجملها التنكيت الذاتي. وأفضل ما يفعله حكماء الكرد، الذين يجيدون التنكيت الذاتي، طرح مشروع قرار في البرلمان الجديد لإضافة فقرة إلى الدستور تنص على المحاصصة في النكات. والنكات علامة النجاة للعراق. فوضع الكرد والعرب الآن كوضع من توشك سفينته على الغرق وسط البحر، ويُصّلي الكردي مستعطفاً: «لا تموّتني لأجل زوجتي والأطفال». سأله العربي مستنكراً: «يا زوجه يا أطفال؟ إنت ما متزوّج»! فغمز الكردي، وعض بشفـته.
&
وبالنكات يُنفّسُ الأكراد عن عنادهم الحرون. فأكثر كلماتهم شيوعاً «نأ» وتعني «لا»، وقد سمعها المالكي الأسبوع الماضي عندما طرق باب منزل البرزاني في أربيل. سأل البرزاني: من الطارق؟ أجاب: نوري المالكي رئيس الوزراء، قال البرزاني: نأ، مو إنت. و«نأ» في النكتة لا تنفع في الاقتصاد. فالإقليم يعاني شحاً في الوقود، وطوابير الانتظار الطويلة للحصول عليه. ومئات الآلاف من الموظفين الأكراد لم يتسلموا رواتبهم منذ شهور، بسبب توقف حكومة المالكي عن دفع مستحقات الإقليم. وشركة النفط «دانا» التي استثمرت نحو مليار دولار في كردستان تطالب الآن حكومة الإقليم بدفع مستحقاتها، فيما لا تجرؤ الشركات على شراء حمولة أربع ناقلات نفط كردي ترسو قرب سواحل المغرب منذ أكثر من شهر. فاستخراج هذا النفط وتصديره مخالف للقوانين، حسب واشنطن التي تواصل ضغطها على الأكراد للمشاركة في حكومة وحدة وطنية. ذكرت ذلك «نيويورك تايمز» في تقرير عنوانه «يستعد الأكراد للاستفادة من الأزمة العراقية، فيما يواجه الحكم الذاتي العقبات».
&
وذكرت الصحيفة أن اقتصاد الإقليم الذي كان مزدهراً قد تعطّل، والشركاء الأتراك الذين ساعدوا الكرد على تصدير بعض نفطهم يقفون الآن ضد استقلالهم خشية أن يحفز ذلك النزعات الانفصالية لأكراد تركيا. وذكرت الصحيفة أن إعلان إسرائيل دعمها لاستقلال كردستان ليس محل ترحيب من الأكراد أنفسهم. وعبّرَت عن الموقف الرسمي لحكومة كردستان مبعوثتها إلى بريطانيا «بيان سامي عبد الرحمن»، التي نفت أن يكون التأييد الإسرائيلي لاستقلال الإقليم تمّ بالتنسيق مع الحكومة الكردية، وقالت في حديث مع «رويترز» إن ذلك «ربما يهدف إلى خدمة المصالح الإسرائيلية». ورداً على السؤال عن العلاقة السرية للأكراد مع إسرائيل في ستينيات القرن الماضي، قالت المبعوثة الكردية: «كانت تلك فترة قصيرة تَوَقَفت بعدها، ولا توجد حالياً أي علاقة مع إسرائيل». وذكرت أن «السياسة الخارجية لحكومة كردستان العراق هي نفس السياسة الخارجية التي ينتهجها العراق، الذي لا يزال في حالة حرب مع إسرائيل من الناحية الفنية». وتابعت: «لأن الحكومة العراقية لا تقيم علاقات مع إسرائيل لا نقيم نحن أيضاً». ويلاحظ في شريط يوتيوب عن مظاهرة للأكراد في لندن ظهور من يعتقد أنه موظف في الممثلية الكردية، أجبر شخصاً كان يُلَّوح بعلم إسرائيل على طي العلم ومغادرة المظاهرة. وحتى غير العقلاء من أكراد متطرفين في معاداة العرب وموالاة إسرائيل، يتعاملون الآن مع إسرائيل كالكردي الذي قالت له امرأته «أحبك»، فقال لها «خلِّي علاقتنا صداقة بس».
&
وينبغي أن يؤخذ مأخذ النكتة حديث البرزاني عن ولايتَيْ المالكي «المشؤومتين». فالأكراد مجاملون جداً، حتى في وضع صعب، كذلك الذي عاناه كردي صدم شخصاً بسيارته، فصرخ به الضحية: «شنو؟ أعمى ما تشوف؟».. اعتذر الكردي، وقال: «والله شايفك بس ما أتذكر وين». ومشكلة العراق، أن الأكراد لا يفهمون الأحداث إلا بعد وقت طويل من وقوعها، والشيعة لا يفهمونها إلا قبل وقت طويل من وقوعها، وقد تُحل مشاكل البلد لو يتفاهم كلاهما مع السنة، الذين لا يفهمون الأحداث إلا وهي تتغير. وكانت المرحومة الوالدة لا تلوم الأكراد لعدم فهمهم اللغة العربية، بل عدم فهم العرب لغتهم العربية، وتذكر ضابط الجوازات الذي سألها عن مهنة أبيها، وعندما قالت إنه شيخ دين يؤمُّ صلاة الجمعة في «تكية الطالباني» مقابل وزارة الدفاع في بغداد، سجّلَ لقبها في الجواز «الطالباني».
&
ووزارة الدفاع موضوع نكتة عن رئيس أركان الجيش العراقي الحالي الفريق الأول بابكر زيباري، وهو كردي، سجَّلَ عنوانه في بطاقته الشخصية «وزارة الدفاع مقابل لبن أربيل». ونكات عدة عن «لبن أربيل» أقصرها تقول إن كردياً فتح صيدلية وأسماها «لبن أربيل». وكل ما يجري في العراق حالياً سببه «مقابل لبن أربيل» حيث أعلن الفريق الأول زيباري، غداة مغادرة قوات الاحتلال الأميركي العراق عدم جاهزية قواته لضمان أمن البلاد قبل عام 2020. وإذا كان صحيحاً ما يقوله المفكر أدوارد دي بونو من أن «النكتة أبلغ قدرات العقل على الإطلاق»، فَما أبلغ من عقل الأكراد، وأنا لا أُنَّكتْ.