حسنين كروم&

&كان الاهتمام البارز للصحف الصادرة أمس الخميس 14 أغسطس/آب للمرافعة التي قام بها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، أمام محكمة الجنايات عن نفسه، في اتهامه بقتل المتظاهرين وإشادته بإنجازاته، ونفيه أنه أمر بإطلاق أي رصاص على المتظاهرين، وكان زميلنا في «التحرير» وائل عبد الفتاح قد سبق مبارك وقال عنه صباح يوم الأربعاء قبل مرافعته:
«سقط..؟ نعم سقط.. هوَى مبارك بعد وصلة مدمرة في الليلة السابقة على السقوط، حين تقلص مكياج الرئيس، خرج من موته المؤقت، لينحت شخصية سيكوباثية، تتكلم في خطاب عن أنا، في مقابل ملايين، يصنع قنبلة أذى، وصلت الجماهير المنتظرة أمام الشاشات، بكى الرجال، وفقدت النساء وعيها، السيكوباثي (المجرم بالفطرة) الكبير، يوجه رصاصاته النفسية إلى من ناموا في الشارع، وصاموا عن الحياة، ليرحل وينصرف بعد 30 سنة، أصاب مصر بشيخوخة، كان يهرب منها بصبغة الشعر ومكياج الموتى.. شيخوخة ليس أمامها إلا استعراض القوة. تنين يصرخ صرخته الأخيرة محدثا أصواتا مجلجلة ومطلقا النيران من فمه».
أما زميلنا وصديقنا الرسام الموهوب عمرو سليم فقدم لنا أمس الخميس في «المصري اليوم»، الفقرة التي شاهدها بنفسه على أحد المسارح وعنوانها – أزهى عصور التهريج السياسي ـ وحاو يقول:
- ودلوقتي ميعاد الفقرة الرئيسية.. عايزين طفل صغير يطلع على المسرح ويسحب ورقة من البنورة عشان نعرف 25 يناير ثورة ولا مؤامرة.
ويبدو ـ والله أعلم ـ أن زميلنا في «الأخبار» محمد عبد الحافظ كان حاضرا في المسرح لأنه قال في اليوم نفسه ردا على الحاوي:»مبارك ورجاله وحزبه الوطني اتهموا الشعب بالمؤامرة، وننتظر من مرسي وعشيرته وحزبه الوطني أن يتهموا الشعب بالخيانة، إذن فالشعب يجب أن يحاكم مرتين، لأنه خلع مبارك وأسقط نظامه وعزل مرسي وأنهى احتلال الإخوان للبلد.. أحنا شعب مالناش في الطيب نصيب».
ويمكنني القول الآن بعد مرافعة مبارك وقبله وزير الداخلية اللواء حبيب العادلي وبعض مساعديه ومن قبلهم المحامون عنهم، اكتمال مخطط قيامهم بفتح الطريق أمام مرشحي الحزب الوطني، الذين سيتقدمون لانتخابات مجلس النواب القادمة ليتقدموا إليها وهم في مراكز الهجوم لا الدفاع.


وعلى كل حال فإن هذه المرافعات هي حق قانوني للمتهمين، لكن المشكلة هنا أنهم خرجوا من دائرة الرد على موضوع الاتهام إلى قضايا سياسية وشخصية لا صلة لها بالقضية التي يحاكمون بسببها، ولا أعرف إن كان هذا جائزا أم لا، وعلى كل فالشعب هو المستفيد حتى يعرف كل الآراء.
وأبرزت الصحف عودة الرئيس السيسي من زيارته لروسيا، ولم يتم الإعلان عن تفاصيل الاتفاقيات الموقعة. واتخاذ الإجراءات لمواجهة مظاهرات الإخوان في ذكرى فض اعتصامي رابعة والنهضة، ونجاح مصر في الحصول على موافقة إسرائيل والوفد الفلسطيني على مد الهدنة في غزة خمسة أيام أخرى، وتفقد وزير الدولة الإماراتي سلطان الجابر بدء العمل في مشروعات منحة بلاده للارتقاء بالمناطق الفقيرة. أما عن مشكلة انقطاع الكهرباء فحدث ولا حرج وهي الأكثر إثارة للاهتمام.
والى شيء من أشياء عندنا..

معارك الإسلاميين على الفضائيات

ونبدأ تقرير اليوم باستعراض لبعض المعارك التي انفجرت فجأة حول قضايا دينية، بدأها زميلنا وصديقنا رئيس تحرير جريدة «التحرير» اليومية المستقلة إبراهيم عيسى في برنامجه التلفزيوني بقناة «أون تي في» عن عذاب القبر والثعبان الأقرع، وما نقل عن المرحوم الداعية الشيخ محمد الشعراوي عن ذلك، وما يؤكده آخرون. واشتعلت معركة عنيفة ضد عيسى وقد لاحظت أن من هاجموه ووجهوا إليه اتهامات عديدة تركوا الشيخ الشعراوي ولم يقتربوا منه، وهي المشكلة نفسها التي واجهها من قبله الشيخ ياسر برهامي نائب رئيس جمعية الدعوة السلفية، التي خرج منها حزب النور،عندما نشروا له فتوى بأن الزوج يجوز له أن يترك زوجته لمن يغتصبونها، إذا كان غير قادر على إنقاذها وسيلقى حتفه على أيديهم، لأن إنقاذ روحه أهم! واستند في ذلك إلى فتوى الإمام الشيخ العز بن عبد السلام وهي فتوى قديمة نشرها على موقع – أنا السلفي – وانهالت المقالات التي تتهمه بأشنع التهم من الجنسين، ومن رجال الدين، والغريب أنهم تركوا صاحب الفتوى وهو العز بن عبد السلام وأمسكوا بمن رددها عنه.
وتكررت المعركة عندما استضاف زميلنا وصديقنا وائل الإبراشي في برنامجه العاشرة مساء على قناة دريم الشيخ محمد عبد الله نصر الشهير بالشيخ ميزو، وخطيب التحرير، حيث شكك في صحة أحاديث وردت في صحيح البخاري، وطالب بتعديلها وتعرض لهجمات هائلة واتهامات قاسية ولم يتطرق أحد إلى توضيح الموقف، مما جاء في أحاديث البخاري التي أشار إليها ومطالبته بتنقية كتب التراث عموما وبعضها يقوم الأزهر بتدريسها، ثم أثار المفتي الأسبق الدكتور الشيخ علي جمعة معركة أخرى بفتوى له عن إنذار الزوج لزوجته بأنه في الطريق إلى المنزل حتى إذا كان عندها والعياذ بالله عشيق تكون أمامها فرصة لصرفه.

جهلة وأنصاف متعلمين يتحدثون في أمور الدين

ونبدأ بالإشارة إلى أبرز ما نشر وكان أوله يوم الثلاثاء في «الوطن» لمستشارها الإعلامي أستاذ الصحافة في جامعة القاهرة الدكتور محمود خليل ومهاجمته الإعلاميين الذين يثيرون هذه القضايا بقوله:»طغمة الإعلام ترتبط بالمنافع المالية والمكاسب المعنوية التي أصبحت تجد طريقها إلى جيوب كل من يتحدث بجرأة، حتى لو كانت جاهلة في أمور الدين، فالجهلة وأنصاف المتعلمين يرون أن الشهرة عبر فرقعة رأي أو فكرة أو فتوى شاذة على هذه القناة التلفزيونية أو تلك، ستكون مدعاة لزيادة الطلب عليهم من قنوات إعلامية أخرى. السر في ذلك هو الطلب الجماهيري أو قل التهليل الجماهيري على هذا اللغو.. هذا الخطاب يجد سوقا لأن كثيرا من الناس يهلل، رغم مقته، في الوقت الذي لا تأبه فيه بأي حديث جاد يتناول التراث الإسلامي، فيميز طيبه من خبيثه، وحسنه من قبيحه، وصالحه من طالحه. والأصل في التعامل مع التراث كعلم، وليس إطلاق أقوال أو فتاوى شاذة تنتزع من سياق عصور أشد شذوذا، ليقال للناس بعد ذلك بالجهل والتدليس والتزييف إن هذا هو الإسلام».

التجديد وعقلانية النقد الديني

اما وزير الأوقاف الدكتور الشيخ محمد مختار جمعة فقد نشرت له «المسائية» اليومية القومية التي تصدر عن مؤسسة أخبار اليوم مقالا عنوانه شجاعة التجديد وعقلانية النقد جاء فيه:»لكي نقطع الطريق على أي مزايدات ونحن ما زلنا نتحسس خطواتنا الأولى لدراسة بعض القضايا والمستجدات، فإنني أؤكد على الثوابت والأمور التالية، ان ما ثبت بدليل قطعي الثبوت والدلالة، وما أجمعت عليه الأمة وصار معلوما من الدين بالضرورة، كأصول العقائد وفرائض الإسلام من وجوب الصلاة والصيام والزكاة وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، كل ذلك لا مجال للخلاف فيه فهي أمور توفيقية لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان والأحوال، فمجال الاجتهاد هو كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي.
نؤمن أيضا أن بعض الفتاوى ناسبت عصرها وزمانها أو مكانها أو أحوال المستفتين، وان كان راجحا في عصر وفق ما اقتضته المصلحة في ذلك العصر، قد يكون مرجوحا في عصر آخر، إذا تغير وجه المصلحة فيه وأن المفتى به في عصر معين وفي بيئة معينة وفي ظل ظروف معينة قد يصبح غيره أولى منه في الإفتاء به، إذا تغير العصر أو تغيرت البيئة أو تغير العصر أو تغيرت الظروف ما دام ذلك كله في ضوء الدليل الشرعي المعتبر والمقاصد العامة للشريعة. اننا نؤمن بالرأي والرأي الآخر وبإمكانية تعدد الصواب في بعض القضايا الخلافية، في ضوء ظروف الفتوى وملابساتها ومقدماتها، ان تسارع وتيرة الحياة العصرية في شتى الجوانب العلمية والاقتصادية والتكنولوجيا، إضافة إلى التقلبات والتكتلات والتحالفات والمتغيرات السياسية، كل ذلك يحتم على العلماء والفقهاء إعادة النظر في ضوء كل هذه المتغيرات، ويعلم الجميع أن الإقدام على هذا الأمر ليس سهلا ولا يسيرا، ويحتاج إلى جهود ضخمة من الأفراد والمؤسسات. غير أننا في النهاية لا بد أن ننطلق إلى الأمام وأن نأخذ زمام المبادرة للخروج من دائرة الجمود. اننا نؤمل ألا يسلك العقلاء مسلك العامة في النقد العاطفي أو النقد الانفعالي أو تجاوز الموضوعية بالتسرع في الأحكام قبل القراءة الوافية المتأنية لما يراد الــــحكم أو التعليق عليه، وأن تقدم المصلحة الشرعية والوطنية على أي اعتبارات أخرى، وساعتئذ فلا حرج في النقد الموضوعي ولو ردنا الحق عبيدا لرددنا إليه صاغرين».

محلب: لن نسمح باغتصاب أراضي الدولة

أما القضية المهمة الأخرى والأخطر، فهي ان الدولة بدأت فعلا لا تكشر عن أنيابها لبعض رجال الأعمال فقط، وإنما تستعد لتحصل منهم على ما تعتبره سرقات أيام حكم مبارك. عزز ذلك التوجه أنهم لم يسارعوا الى التبرع لصندوق «تحيا مصر» بمبلغ مئة ألف مليون جنيه طلبها السيسي أكثر من مرة لدرجة أنه قال لهم في كلمته أثناء حفل بدء العمل في المشروع الجديد لقناة السويس «حتدفعوا يعني حتدفعوا».
ويوم الثلاثاء رأس رئيس الوزراء إبراهيم محلب اجتماعا للجنة استرداد أراضي الدولة وقال بالنص عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة:»تحصيل حق الدولة في الأراضي التي تم التعدي عليها او تغيير نشاطها، وفقا لتعليمات الرئيس السيسي، لا يمكن التساهل فيه مهما طال الزمن، لن نسمح باغتصاب أراضي الدولة، لا يمكن أن نرضى بأن تبحث الحكومة عن تمويل لمشروعاتها ولتنفيذ الخدمات المختلفة للمواطنين، ثم تتخذ إجراءات اقتصادية صعبة، بينما لدينا مليارات تمثل حق الدولة في الأراضي التي تم التعدي عليها أو تغيير نشاطها المحدد. ان حق الدولة في أراضيها سيعود ولدينا إرادة سياسية لتنفيذ ذلك. ان اللجنة قررت في اجتماع أن يتولى المركز الوطني لتخطيط استخدامات أراضي الدولة إعداد حصر كامل لجميع التعديات والمخالفات على أراضي الدولة، بالتنسيق مع الجهات والمحافظات المعنية، كما يتولى المركز الوطني للتخطيط واستخدامات أراضي الدولة، تشكيل لجنة لتثمين الأراضي محل المخالفة بالأسعار المناسبة، ووضع معايير للتثمين طبقا للنشاط المخالف، ان اللجنة قررت أن تتولى جهات الولاية على الأراضي توجيه إنذار قانوني لجميع المخالفين لنوع الأراضي، من دون ترخيص أو صدور تصريح لهم بذلك من الأجهزة المعنية أو صدور موافقات لهم، بتقنين أوضاعهم وقيام الجهات المعنية والأمنية بإزالة المخالفة بعد انتهاء المهلة المحددة، وقدرها شهران من توجيه الإنذار القانوني، وسيتم التعامل بصرامة وحزم من خلال الأجهزة المعنية الأمنية مع كل من تعدى على أراضي الدولة وستسترد الأراضي كاملة».

تبرعات رجال الأعمال لغسيل الأموال والسمعة

هذا نص كلام رئيس الوزراء وفي الوقت نفسه وجه النظام عن طريق زميلنا محمد غالي رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة «المصور» إلى احمد عز رجل أعمال الحزب الوطني وللرئيس الأسبق مبارك ما يشبه الإنذار وهو كذلك، بقوله في «المصور»:»يبدو أن رجل الأعمال أحمد عز لم يدرك رغم سنوات السجن التي قضاها التغييرات التي شهدتها مصر منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني.. لم يدرك عز أن ثورة يناير قامت أساسا ضد الفساد السياسي والمالي لنظام مبارك ورموزه، وفي مقدمتهم احمد عز الذي ساند توريث جمال مبارك بقوة وقام بتزوير فاحش في انتخابات 2010. قامت الثورة لتنهي الفساد المالي لأمثال أحمد عز، الذي أخذ صورا متعددة، بداية من الاستيلاء على شركة حديد تسليح الدخيلة، واستغلال قربه من مؤسسة الرئاسة في ممارسة الألاعيب في سوق حديد التسليح، حتى أصبح متحكما في مقدراته حتى الآن من خلال مجموعة عز للصلب. لم يدرك رجل الأعمال والأمين المساعد وأمين التنظيم للحزب الوطني المنحل أن هناك مصر جديدة وأن هناك رئيسا يحكم بشعبية جارفة في مرحلة جديدة من الطهارة والحرب على الفساد والقضاء على الاحتكارات ومافيا الأسعار. عز الذي خرج من السجن مؤخرا يدرك فقط أنه صاحب المليارات وصاحب مملكة حديد التسليح، ويستغل فترة العوز التي تمر بها مصر الآن ويقول انه مستعد لفتح صفحة جديدة مع النظام الحالي وأيضا مستعد للتبرع بنصف ثروته لصالح صندوق «تحيا مصر» لدعم الاقتصاد المصري. وهنا نتوقف ونسأل أي ثروة؟ هل الثروة الحقيقية التي كونها من احتكار سوق حديد التسليح واللعب في أسعاره والاستيلاء على حديد تسليح الدخيلة لتكون احدى شركاته؟ أي ثروة هل هي على هذا الحساب البنكي الشخصي الذي يضم عدة ملايين لحساب المشتريات اليومية، أم الثروة التي تضم مشاركته في مجموعة عز وشركة حديد الدخيلة ومصنع عز للصلب بمدينة السادات وشركة الجوهرة للسيراميك؟ هذا فضلا عن المليارات التي تملأ حساباته بالبنوك الخارجية عن أي ثرة يتحدث عز؟ هل الأرباح التي تحققت من السيطرة على حديد تسليح الدخيلة والتحكم في سوق حديد التسليح؟ الإجابة صعبة لأننا أمام موجة مزيفة من بعض رجال الأعمال الذين يعلنون أنهم مستعدون للتبرع بنصف ثرواتهم لصندوق «تحيا مصر». إنه مزاد من سرقوا أموال مصر من الأراضي ودعم الطاقة يدخلون المزاد لغسيل أموالهم الحرام بالتبرع لصندوق «تحيا مصر»، ولا بأس إن كانت تلك تبرعات حقيقية وليست مزادات لغسيل الأموال ولغسيل السمعة، وهنا نسأل تحديدا هل سيقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يتبرع أحمد عز بنصف ثروته لصندوق «تحيا مصر» ويفتح صفحة جديدة مع نظام السيسي، ويعود أحمد عز ويرشح نفسه نائبا في البرلمان، وربما يحصل على رئاسة لجنة الخطة والموازنة كما كان الحال في عصر مبارك؟ هل سيقبل الرئيس السيسي ذلك، هذا مجرد سؤال لفتح النقاش حول تبرعات بعض الفئات لصندوق «تحيا مصر» حتى لا يتحول التبرع إلى باب خلفي لبارونات الفساد، وربما يصل الأمر إلى تجار المخدرات أنفسهم وكذلك رموز فلول نظام مبارك.
أرجو أن يضع القائمون على صندوق «تحيا مصر» قواعد لقبول التبرعات، بحيث لا يكون من الفاسدين أو الذين تحوم حولهم شبهات في أموالهم. أما أموال هؤلاء الذين جمعوها بفساد من خلال زواج المال مع السلطة فهي حق لمصر ومن الضروري البحث عن وسائل لاستغلالها، بالحزم في التعامل الضريبي مع المتهربين ضريبيا، وبعضهم لم يسدد ما عليه من ضرائب، رغم أنها تصل إلى المليارات، ثم تبرع بملايين وكان على أمل ان نذكر له إحسانه وننسى حقوقنا التي يهدرها وآخرون، حصولا على أراضي بأبخس الأثمان ويرفضون إعادتها للدولة، هل نقبل منهم الفتات ونترك لهم أراضي مصر التي نهبوها؟
ولنا في ما فعله الرئيس بوتين مع بارونات الفساد في روسيا أسوة حسنة، فالرجل بعد توليه الرئاسة هناك كشر عن أنياب الدولة القوية وأجبرهم على دفع مبالغ كبيرة، ولم يكن هذا تصرفا خارج الإطار، وإنما كان استردادا لحق مشروع للدولة الروسية. يجب وضع قواعد للتبرعات، أطالب أحمد عز، إذا كان صادقا في ما قاله، أن يعيد شركة حديد الدخيلة بالكامل إلى الدولة وفورا. أطالبه بأن يفعل ذلك اليوم قبل غد، لأن احمد عز يعرف كيف استولى على شركة الدخيلة، ويعرف أنني أعرف ذلك وأعرف دور جمال مبارك وعاطف عبيد في قيامه بالاستيلاء على حديد الدخيلة، وكيف أصبح رئيسا لها، وكيف استغل سيطرته على حديد الدخيلة للتلاعب في أسعار البيليت مربعات الصلب للقضاء على المصانع المنافسة، وكيف تلاعب في أسعار حديد التسليح. الأسرار كثيرة في عملية استيلاء أحمد عز على حديد تسليح الدخيلة أعرفها تفصيلا، لكن المشكلة أنه بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني استمرت شركة حديد تسليح الدخيلة في قبضة مجموعة أحمد عز وبمساهمات المال العام وفقا للقانون. لكن المؤلم أن ممثلي المال العام في شركة حديد الدخيلة استحسنوا تبعية الشركة لأحمد عز، نظير نسبة من الأرباح والبدلات التي يحصلون عليها مقابل حضور اجتماعات مجلس الإدارة، لا بد من إجراءات قانونية تضمن شفافية التبرع لصندوق «تحيا مصر» ويطالبون بصفحة جديدة مع النظام الحالي».

مبارك يصول ويجول في المحكمة

وعن اكثر المشاهد غرابة في تاريخنا المعاصر، وهو مشهد ظهور الرئيس المخلوع حسني مبارك في المحكمة ليدافع عن نفسه في قضية قتل المتظاهرين، وهو بكامل اناقته وبشعر لم تتسلل إليه شعرة واحدة بيضاء، يصول ويجول بعيدا عن فحوى القضية، يكتب لنا محمود سلطان رئيس التحرير التنفيذي لصحيفة «المصريون» مقاله الذي عنونه بـ»والله ما عندك دم ولا احساس» قائلا:»عشية التحضير لإحياء الإخوان وبعض فصائل المعارضة ذكرى فض اعتصام رابعة الدامي يوم 14 أغسطس/آب 2014.. خرج الرئيس المخلوع حسني مبارك من القفص ليلقي لأول مرة خطابا رئاسيا.. من داخل المحكمة! في واحدة من أكثر المشاهد غرابة في التاريخ. المدهش أن مبارك كان قيد محاكمته في قضية قتل المتظاهرين.. ولكن المحكمة تركته يجول ويصول بعيدا عن فحوى القضية.. يتحدث عن نفسه وعن دوره في حرب اكتوبر.. وفي إدارة مصر سياسيا.. لم يتحدث مبارك عن جريمته «القتل» إلا عرضا في جملة واحدة.. وقدم خطابا سياسيا تافها وفارغا.. ومع ذلك لم تأمره المحكمة بأن يتكلم في موضوع القضية التي يحاكم بشأنها: لا المحكمة ولا الادعاء ولا النيابة.. في مشهد فريد لم يحدث في أي محاكمة جنائية في العالم. خروج مبارك من القفص.. بكامل «أناقته» صابغا شعره بالأسود.. وببدلة زرقاء تشبه بدلة السجن.. أنيقة و»مكوية».. جالسا على كرسي وكأنه استجلب خصيصا من «الفورسيزون» الأسطوري على الكورنيش.. هذا المشهد يستدعي في التو الرئيس المعزول محمد مرسي محبوسا داخل قفص زجاجي وكأنه لم يكن منذ عام رئيسا لمصر، وإنما «نسناس» لا مكان له إلا في مثل هذا القفص المهين والمذل والمخالف لكل أعراف وقوانين والتقاليد المقررة دوليا لحقوق الإنسان. ما حدث لمبارك يوم أمس الأول 13 أغسطس 2014 في المحكمة.. يطرح سؤالا بشأن ما إذا كان الرئيس الأسبق محمد مرسي سيعامل بالمثل.. وإذا كنا نتحدث عن الإنصاف فإنه لم يعد أمام السلطات القضائية إلا أن تأمر بتحرير مرسي من الحبس الزجاجي المهين.. ليخرج ليدافع عن نفسه أمام المحكمة.. اهتداء بالرقة والحنو والاحترام المبالغ فيه الذي عومل به الرئيس المتهم بقتل أكثر من ألف مصري، حسني مبارك. والأكثر دهشة أن يترك لمبارك الميكرفون ليهذي بكلام بالغ الخطورة.. من المفترض ألا يسمح له بان يتقيأه على المصريين: دستور 2014 أقر في ديباجته بأن 25 يناير/كانون الثاني ثورة.. ومبارك يقول إنها «مؤامرة» والجيش أعلن أنه شريك في الثورة.. ومبارك يتهم الجيش بأنه كان شريكا في المؤامرة. مبارك ادعى بأنه لم يقتل أحدا.. وأن القتلى «متآمرون».. والجيش أدى التحية العسكرية لـ»الشهداء» ـ تذكروا أداء اللواء الفنجري التحية العسكرية لشهداء يناير يوم 11 فبراير/شباط 2011 ـ وبحسب كلام مبارك، فإن الجيش أدى التحية العسكرية للقتلى من «البلطجية» الذين قتلتهم الشرطة دفاعا عن الدولة «المستدفهة» بالتفكيك من «المتآمرين» ـ بحسب تطاوله الفج ـ الذين سماهم الجيش ثوارا وانحاز إليهم وأطاح بمبارك من أجلهم. مبارك الذي ترك الدولة ولم يكن بها أي مؤسسة متماسكة غير الجيش.. مبارك الذي ترك البلد ولم يكن بها قسم شرطة واحد به عسكري أو غفير أو حتى خيال مآتة.. مبارك الذي لم يترك البلد قبل أن يفتح السجون ويطلق البلطجية وعتاة الاجرام ليستبيحوا أموال الناس وبيوتهم وأعراضهم.. مبارك الذي قتل أكثر من ألف شاب مصري برصاص شرطته وقناصته.. مبارك الذي ترك البلد.. وقد أحالها إلى مرحلة ما قبل الدولة.. فوضى في كل مكان.. يتحدث الآن عن بطولاته وانجازاته من اجل الحفاظ على الدولة من الانهيار! .. والله ما عندك ودم ولا إحساس!».

مقولات فاشية تبرر القتل الجماعي في رابعة والنهضة

عام يمر على الدماء التي أريقت في فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ومنظومة حكم/سلطة ما بعد 3 يوليو/تموز 2013 تنفي استخدام القوة المفرطة وتخون كل حديث عن وقوع انتهاكات ممنهجة لحق المعتصمين في الحياة، هذا ما يكتب لنا عنه عمرو حمزاوي في صحيفة «الشروق» عدد امس الخميس مواصلا كلامه:»عام يمر على ترويج طيور ظلام المرحلة من إعلاميين وكتاب وسياسيين مستتبعين إما لمنظومة الحكم/ السلطة أو للنخب الاقتصادية والمالية المتحالفة معها، لمقولات فاشية تبرر القتل الجماعي الذي شهده فض الاعتصامين بضرورات مواجهة الإرهاب ــ راجعوا البيان الرسمي لوزارة الداخلية بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة بشأن الأسلحة التي تم ضبطها، وتثبتوا من تهافت الاتهام الجماعي لكل المعتصمين بالنوايا الإرهابية أو بالحمل الجماعي للسلاح.
عام يمر على التورط المنظم لطيور ظلام المرحلة في تزييف وعي المصريات والمصريين، والدفع بأن فض اعتصامي رابعة والنهضة كان البديل الوحيد أمام منظومة الحكم/السلطة للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين، وكأن دوائر الجماعة وشبكات المتعاطفين معها يمكن اقتلاعها من المجتمع بالقتل أو بالقمع أو بالانتهاكات أو بالزج في السجون.
عام يمر على المسؤولية غير المباشرة للأحزاب وللتيارات وللشخصيات العامة التي تدعي زيفا الانتساب إلى الفكرة الديمقراطية أو الفكرة الليبرالية أو اليسار الديمقراطي عن دماء فض اعتصامي رابعة والنهضة وعن الانتهاك الممنهج للحق في الحياة، بمشاركتهم في الخروج على المسار الديمقراطي في 3 يوليو2013، وبصمتهم أو تجاهلهم للانتهاكات المتكررة ولخريطة المظالم التي تتمدد في جغرافيا الوطن لتعصف بالسلم الأهلي وتهدد تماسك الدولة والمجتمع. بسبب هذه الأحزاب والتيارات والشخصيات العامة دخلت الفكرة الديمقراطية في مصر وكذلك الفكرة الليبرالية والرابطة الإيجابية المتصورة بين اليسار وبين أجندة الحقوق والحريات في أزمة عميقة لن تتجاوزها قريبا. عام يمر على «الصمت الفعلي» للجهات شبه الرسمية كالمجلس القومي لحقوق الإنسان ولجنة «تقصي حقائق ما بعد 30 يونيو/حزيران 2013»، وبعض المنظمات الحقوقية التي اختارت الاستتباع لمنظومة الحكم/السلطة والمصالح الاقتصادية والمالية والإعلامية المتحالفة معها مارسته وتمارسه منظمات ادعت طويلا تبني أجندة الحقوق والحريات. يحول الصمت الفعلي الجهات شبه الرسمية والمنظمات الحقوقية أيضا إلى شركاء غير مباشرين في تحمل مسؤولية الدماء والقتل والانتهاكات.
عام يمر على غياب منظومة متكاملة للعدالة الانتقالية تسائل وتحاسب الرسميين الذين يثبت عليهم التورط في استخدام القوة المفرطة والقتل والانتهاكات، تماما كما ينبغي أن يساءل ويحاسب على نحو ناجز ومنضبط كل متورط في الإرهاب والعنف. يتواصل غياب منظومة العدالة الانتقالية لأسباب جلية؛ رفض وخوف منظومة الحكم/السلطة، إماتة السياسة بمضامينها الديمقراطية والتعددية، بصورة تفرض على سلطات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، وعلى المجال العام بالمشاركين في نقاشاته وجدالاته والمصالح الاقتصادية والمالية والإعلامية الخاصة، إما الطاعة والرأي الواحد والصوت الواحد وقبول الاستتباع، أو الإقصاء والتخوين والعقاب، مقولات الفاشية وضرورات مواجهة الإرهاب ونزع الإنسانية عن عموم الإخوان وتبرير استخدام القوة المفرطة والقتل والانتهاكات بمعايير مزدوجة التي روجت لها أسراب طيور ظلام المرحلة، خلال العام الذي مر ومازالت بهدف تزييف وعي الناس ودفعهم إلى تأييد مشاهد مروعة للدماء ولانتهاك الحق في الحياة.
عام يمر وحوليات تاريخ تسجل وضمير جماعي يفرز ويصنف ويقيم ولا ينسى التمييز بين من برر الظلم وروج له وبين من نطق في وجهه بكلمة حق بدون خوف.

&