إميل أمين

قبل بضعة أيام، وفي حديثه مع قناة «فوكس نيوز»، صرح السيناتور الأميركي ليندسي غراهام من لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ قائلا: «تخيل مدينة أميركية تلتهمها النيران بسبب قدرة الإرهابيين على التحرك في سوريا والعرق»، وأضاف: «أوباما لا يملك استراتيجية لحمايتنا».


على بعد ساعات قليلة، كان المرشح السابق للرئاسة الأميركية السيناتور جون ماكين يؤكد بدوره على أنه لا توجد استراتيجية محددة الملامح لمكافحة طاعون القرن الـ20، وما بعده.
وما بين السيناتورين، خرجت المرشحة المحتملة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون لتزايد على موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما، محملة إياه ذنب ترك سوريا فراغا، الأمر الذي أدى إلى وجود فراغ ملأه الجهاديون، على حد تعبيرها.


هل من مصداقية لأي من التصريحات السابقة؟


واقع الحال أن أميركا تتعامل مع العالم من منطلقين؛ الأول هو أن واشنطن «امرأة قيصر» التي لا تخطئ، وهي دائما وأبدا الكيان البيوريتاني الطهراني النموذج والمثل للعالم، والثاني هو أن لبقية شعوب العالم ذاكرة كذاكرة الأسماك لا الأفيال، والمعنى أن واشنطن لا تتطلع للأدران العالقة بثوبها، ولا تقرأ دفاتر التاريخ، حيث دورها في زخم الإرهاب حول العالم.


مهما يكن من أمر الإرهاب الذي روج له الأميركيون بطريق مباشر أو غير مباشر، فقد بات هناك عبء كبير يقع على عاتق بقية دول العالم، لا سيما دول الشرق الأوسط، في مواجهة ومكافحة الإرهاب الأسود.
والشاهد أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله التي أطلقها خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للمملكة، بشأن إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب، قد جاءت في الوقت المناسب، لقطع دابر الإرهاب وتجفيف منابعه الفكرية.


الحاجة إلى مركز بهذا الشأن أمر تفرضه الضرورة، لا سيما أن بذور التطرف والغلو قد ملأت العالم، من برنارد لويس وجوقة المحافظين الجدد، وصولا إلى «داعش» والخليفة البغدادي، الذي أظهرته وسائل الإعلام الأميركية ملء الشاشة في لقاء مع جون كيري، عطفا على صور خارجة له مع إحدى خليلاته، مما يؤكد زيف الصيحات الأميركية المتباكية على أقليات العراق ضحايا الإرهاب.


لا يتوجب على هذا المركز أن يبدأ مهامه بفكرة محاربة الظاهرة الموجودة على الساحة، وإن كان ذلك من صميم عمله، وإنما ميدان اشتباكه مع الأفكار التي تدعو لنمو الظاهرة في طور نشأتها، وأثناء مرحلة الكمون، وترتيب الأوراق، وضبط الآليات الفكرية التي تدحضها، واستشراف الخطر المستقبلي لها، والتخطيط للمواجهة بعيدة الأمد.


خطورة ما يجري في المنطقة يدعو للتعجيل بتحويل المبادرة إلى واقع عملي على الأرض، لا سيما أن احتمالات اتساع وامتداد هذه الظاهرة، ومن أسف، مقبلة لا محالة، الأمر الذي رصده البروفسور الروسي فيتالي نعومكين مدير معهد الدراسات الشرقية في الأكاديمية الروسية للعلوم، الذي كتب يقول: «لقد ألهم انتصار (داعش) في العراق جميع المتطرفين المختبئين في أنحاء العالم، مما سيزيد من انتشار سرطان الإرهاب إلى ما وراء هذه المنطقة، فمن الواضح أن الهدف التالي للذين جاءوا للقتال تحت راية (داعش) من أنحاء مختلفة من العالم، سيكون أنظمة البلدان التي جاءوا منها».. هل الرجل على حق؟


أبدا ودوما تبقى الولايات المتحدة كما «جانوس» إله الرومان صاحب الوجهين، فهي تبدي وجه القوة المطلقة والسلطة المطلقة تارة، ووجه الدبلوماسية البراغماتية المعهودة تارة أخرى، وبين الاثنين يضطرب العالم، فلا يعلم إلى أين يذهب، وعلى أي مرفأ ترسو السفن الحائرة.


يذكر أديب بريطانيا الكبير جورج برنارد شو أنه عند العاصفة يلجأ المرء إلى أقرب مرفأ، وعليه يبدو واضحا لماذا رست سفن الأصوليات الجهادية عند مرفأ الإيمان والأديان، بوصفها المطلق الوحيد في حياة الإنسان.


فكرة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب تشتد الحاجة إليها لتصحيح المسار الخاطئ، الذي سار فيه العالم عبر العقد الماضي ونصف العقد الحاضر، فقد عدّ الجميع أن المسألة مجردة؛ مواجهات أمنية وملاحقات استخباراتية وراء طريدي العدالة، وملوثي الأيدي بدماء الأبرياء، لكن الواقع هو أن الحرب على الإرهاب كفكرة مجردة ضمن تجريد الأشياء تقع فلسفيا في نطاق القضايا الفاسدة، فأنت في حربك على الإرهاب بهذا الشكل أشبه ما يكون بشن حرب على فكرتي الغضب والكراهية اللتين تنميهما السياسات الخاطئة، مثل تلك التي حولت أفغانستان والعراق، والآن سوريا وليبيا، إلى معامل لتفريخ الإرهابيين.


خادم الحرمين يحذر من أن الإرهاب حكما سيرتد إلى صدور صانعيه، والسحر أبدا ودوما ينقلب على الساحر، هذا ما أكده الأيام القليلة الماضية الباحث الفرنسي في شؤون الشرق الأوسط والإسلام السياسي جان بيير فيليو، معبرا عن خشيته من إرسال «داعش» إرهابيين جددا إلى أوروبا وأميركا.


مبادرة الملك عبد الله من نوعية القضايا المصيرية التي يبدأ طرحها من الذات وليس من الآخرين، وعليه، ربما توجب العمل على تنفيذها منذ الأمس لا انتظار الغد.