تثير مخاوف واسعة في الغرب
&ميهول سريفاسترا وهلين فوكيت&
فيما تدك الطائرات الحربية الأميركية، معاقل تنظيم «داعش» في العراق، وتعتقل الشرطة الأسترالية أشخاصاً كانوا يخططون لخطف وذبح مدنيين أبرياء، يبدو أن وكالات الاستخبارات الغربية باتت تركز أكثر على خطر أقل وضوحاً يتمثل في أولئك الرجال والنساء المتطرفين الذين يعملون في الخفاء وينشطون في سِرية تامة ويبعثون برسائلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من سوريا، وهو خطر اتفق كل من مسؤولي الاستخبارات في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واليونان وتركيا، المنهمكين في جهود منع رجوع «الجهاديين» إلى أراضيهم، على أنه يستدعي المزيد من التنسيق والتعاون. وفي حين يقف العالم مشدوهاً أمام سيل اللقطات المصورة، ورسائل التويتر وأنواع أخرى من الدعاية التي تظهر مسلحين يحملون جوازات سفر غربية ويتوعدون بلدانهم، يعكف المسؤولون الأمنيون على رصد عينة أخرى من الأشخاص أكثر دهاء من أن يكشفوا أنفسهم أمام الكاميرات، وأكثر مكراً من أن يثيروا الشكوك في زياراتهم إلى منطقة الشرق الأوسط.
ولعل أشد ما تخشاه وكالات الاستخبارات الغربية هو ما عبر عنه أحد المسؤولين الأميركيين من أن يتمكن شاب بريطاني، أو أوروبي، أو أميركي، ممن يزورون الشرق الأوسط لدواعٍ عادية مثل صلة الرحم، أو غيرها، من التسلل إلى سوريا والبقاء بعيداً عن المراقبة والأضواء، ولدى عودته من سوريا لن يتمكن أحد من رصده ولا كشف خضوعه لتدريب عسكري، أو تخطيطه لشن هجمات في الغرب.
&وهذا التخوف أكده بروس ريدل، وهو أحد قدامى المحللين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويعمل حالياً باحثاً في معهد بروكينجز، بقوله: «منذ تطوع الإسلاميين في أفغانستان وباكستان مطلع التسعينيات ونحن نعاين ما يمكن أن يطلق عليه السياحة الجهادية! واليوم ما زالنا نشهد هذا الأمر مع تشدد أكثر في عقيدة المسلحين. كما أننا لا نملك معطيات واضحة، أو سيطرة كافية على أولئك الأشخاص ومعرفة مدى تحولهم إلى متطرفين مستعدين لتنفيذ هجمات في بلدان غربية». وبالمقارنة مع مئات «الجهاديين» الذين تم التعرف عليهم من قبل الباحثين وراصدي الإعلام الاجتماعي، أو الآلاف الذين تتعقبهم أجهزة الاستخبارات، بات أولئك المقاتلون هم العدو المجهول الذي يقض مضاجع المسؤولين الأمنيين.
وفيما اعتقلت السلطات الغربية العديد من العائدين إلى أوروبا بسبب تباهيهم وتفاخرهم بالتطرف في مواقع التواصل الاجتماعي وظهورهم في أشرطة الفيديو، يخضع آخرون لمراقبة لصيقة لدى رجوعهم، وقد وصف مسؤول أمني فرنسي -رفض كغيره من رجال الاستخبارات الكشف عن اسمه- كيف اعتُقل «جهادي» عائد من سوريا بعدما تم تعقبه انطلاقاً من محطة للحافلات في اليونان إلى أن وصل الجنوب الفرنسي! كما يؤكد المسؤولون الأتراك أيضاً تدقيق حراس الحدود في المطارات حول الغربيين العائدين إلى بلدانهم عبر تركيا، مضيفين الأسماء المشتبه فيها إلى قاعدة بيانات مشتركة مع الأجهزة الغربية.
والمشكلة أن المسلحين العائدين من سوريا لا يندرجون في قوالب ثابتة ويستعصون على الرصد والتعقب، فوفقاً لجان لويس بروجيير، القاضي الفرنسي الشهير المتخصص في شؤون الإرهاب: «لا توجد أوصاف محددة للجهاديين، فربما تكون فتاة لا تتجاوز 14 سنة، والسبب أن أنماط وطرائق التجنيد والشحن الأيديولوجي مختلفة تماماً اليوم لاعتمادها كلياً على الوسائل الرقمية»! وكذلك قدرت السلطات الأسترالية التي اعتقلت في الأسبوع الماضي 15 شخصاً يعتقد أن لهم صلة بتنظيم «داعش» وكانوا يخططون لذبح أحد المواطنين، أن عدد الأستراليين «الجهاديين» الذي عادوا من سوريا يبلغ 20 فرداً، وأن 60 آخرين ما زالوا في العراق وسوريا. وعلى رغم التركيز الكبير على تنظيم «داعش» يرى «جون برينان»، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أن من الضروري استمرار مجتمع الاستخبارات في مراقبة الإرهابيين غير البارزين، مضيفاً أن «ما لا يتعين فعله هو التراخي في مراقبة هؤلاء، أي أنه تتعين مراقبة المجموعات الصغيرة»، ومن تلك المجموعات المتطرفة العنيفة التي لا تحظى باهتمام مشابه لتنظيم «داعش» هناك «جبهة النصرة» التي ترتبط بعلاقة مع «القاعدة»، ولم تخفِ نيتها في تنفيذ هجمات خارج أرض المعركة السورية.
ويؤكد مدير الاستخبارات الأميركية أنه «لاشك في أن «النصرة» تنتمي إلى خط «القاعدة» التقليدي، بحيث يشكل بالنسبة لهم ضرب العدو خارج أرض المعركة أولوية لا تقل في أهميتها عن محاربته في الداخل. كما أن هناك أدلة تشير إلى تدريب النصرة لأجانب فوق الأرض السورية لتنفيذ هجمات لدى رجوعهم إلى أوطانهم. وليس خافياً أن هذا الجهد يلقى دعماً من تنظيم «القاعدة» «الأم». ولكن «جبهة النصرة» لم تعد هي الوحيدة في الساحة السورية، بل تفرعت عنها تنظيمات تابعة لها مثل «جماعة خراسان» التي قال عنها جيمس كلابر، مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية، في مؤتمر حول قضايا الاستخبارات عقد بواشنطن، إنها باتت تمثل تهديداً لا يقل في خطورته عن «داعش»، كما أن الجماعة جزء من تنظيم «القاعدة» التقليدي الذي ينشط بين الحدود الباكستانية الأفغانية. وخلافاً لمقاتلي «داعش» ينأى العناصر التابعون لـ«جبهة النصرة» بأنفسهم عن الإنترنت، حيث توجه أغلب أشرطة الفيديو للجمهور المحلي، كما أنها لا تبرز عدداً كبيراً من المقاتلين الأجانب، وإن كانت «النصرة»، حسب التقديرات الاستخبارية، هي ثاني أكبر تنظيم إرهابي يستقطب الأجانب في صفوفه بعد «داعش». وقد بلغت حدة التوجس من عودة المقاتلين الأجانب إلى أوروبا حداً دفع الرئيس الفرنسي، فرانسوا أولاند، للحديث في مؤتمر صحفي عقد الأسبوع الماضي عن خطر «داعش»، محيلاً إلى حالة مهدي نموش، الذي قتل أربعة أشخاص خارج أحد المعابد اليهودية في بروكسل لدى عودته من سوريا التي أمضى فيها عاماً كاملاً، وقال أولاند محذراً «لقد انضم إلى التنظيم ما لا يقل عن ألف مواطن فرنسي، وبعضهم سيعود وفي ذهنه أسوأ الأفكار والخطط».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»&
التعليقات