سكينة المشيخص

أثبتت المملكة من خلال مشاركتها بالقوات الجوية أن تأثيرها كبير في الحرب على الإرهاب، وأنها ماضية في هذا الاتجاه إلى نهايته من أجل أن تقضي على الإرهاب وتعزله عن ارتباطه الديني المزعوم

&


العمليات العسكرية التي بدأها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية تؤكد أن المجتمع الدولي بأجمعه، وعلى مختلف أديانه واتجاهاته اتخذ موقفا حاسما تجاه الإرهاب الذي مصدره التنظيم، وسبق ذلك قرار أممي بإدانة السلوكيات الإرهابية للتنظيم وعناصره في أي مكان من الكرة الأرضية، وبذلك يكتمل منهجيا حصار "داعش" بعد أن أصبح مهددا حقيقيا وفعليا للأمن والسلم الدولي بما لا يدع مجالا للتهاون بحسمه وإنهاء جرائمه التي يرتكبها باسم الدين وتناقضه بصورة فاضحة.


تنظيم "داعش" يمثل حلقة متطورة وعنيفة في سلسلة التنظيمات الإرهابية، وهو أتى بما لم يأت به تنظيم القاعدة الذي يعتبر قاعدة لكل الفكر الإرهابي، وحين يتمدد الإرهاب في أكثر من دولة فإن من المناسب والمنطقي أن تتم المواجهة من خلال منظومة دولية تشبع الحسم حيوية في المكافحة، ونظرا لتحول إرهاب التنظيم إلى إرهاب عابر للحدود كان من الضروري أن يكون للمملكة دور فاعل في مثل هذا التحالف بما يتسق مع مواقف خادم الحرمين الشريفين الحازمة ضد الإرهاب ودعم للمعارضة السورية المعتدلة والشعب السوري.


ويزيد من فعالية المشاركة السعودية في التحالف ثقلها الإسلامي الذي يعطي إشارة قوية للعالم عن موقف الدين الإسلامي ضد الإرهاب، فالمملكة معنية من عدة وجوه في التعاطي مع مثل هذه الجهود وتأكيد خروج هؤلاء عن سمة المقصد الإسلامي وبراءته مما يرتكب أعضاء التنظيم من فظائع باسم الدين وتخرج عن السياق الإنساني إلى وحشية قياسية تعيدنا إلى ما فعله التتار وقبلهم الخوارج من تقطيع الرؤوس واستباحة الدماء والأعراض.
ذلك التناقض الديني فصّله بيان هيئة كبار العلماء الذي أكد أن "الإرهاب يعد جريمة نكراء، وظلما وعدوانا تأباه الشريعة والفطرة بصوره وأشكاله كافة، ومرتكبه مستحق للعقوبات الزاجرة الرادعة، عملا بنصوص الشريعة الإسلامية ومقتضيات حفظ سلطانها وتحريم الخروج على ولي الأمر، "وتلك قاعدة دينية تؤصل لخروج هؤلاء الإرهابيين عن المسار الديني الصحيح إلى فوضى وعشوائية الالتباس والتأويل الإجرامي الذي ينحرف بالعقل والفطرة عن سلامة العقيدة ومنهجها".


وفي الواقع فإن مشاركة المملكة في التحالف تمليها الضرورة الدينية والسياسية والعسكرية والأمنية، ولا يتصور أن القرار جاء بصورة داعمة للتحالف والوجود فيه بقدر ما هو منهج يتناغم مع كون المملكة معنية ومؤثرة في الحرب على الإرهاب استنادا إلى ما سبق في السياق الديني، ويضاف إليه العامل السياسي المهم أيضا في المشاركة، وذلك ما أشار إليه وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل من أن مشاركة المملكة في الحرب على "داعش" دافعها مصالحها في المقام الأول، بالإضافة لمساعدة السوريين في نضالهم وحمايتهم من شر هذه الفئة الضالة.


وللحقيقة أثبتت المملكة من خلال مشاركتها بالقوات الجوية أن تأثيرها كبير في الحرب على الإرهاب، وأنها ماضية في هذا الاتجاه إلى نهايته من أجل أن تقضي على الإرهاب وتعزله عن ارتباطه الديني المزعوم، ولذلك فحين تم اتخاذ قرار الضربة الجوية أرسلت القيادة السعودية أبناءها في الصفوف الأولى للمعركة، وكان ابن ولي العهد الأمير الطيار خالد بن سلمان بن عبدالعزيز في مقدمة القوات التي نفذت عمليات نوعية أكدت شجاعة الطيارين السعوديين وقدراتهم الفاعلة في المبادرة القتالية، دون أن يضعوا في حساباتهم ردات الفعل الانتقامية في مثل هذه الحالات لمثل هؤلاء الإرهابيين، حيث نشروا صورهم لتأكيد فخرهم واعتزازهم بنبيل صنعهم وقوتهم.


إننا في الحقيقة نبدأ نهاية فترة ظلامية لأحد أخطر وأسوأ التنظيمات الإرهابية التي شوّهت الدين وزايدت عليه بجرأة قبيحة، ولم يبق لها إلا أن تمارس رذيلة الكذب بنشر أن الهجمات استهدفت المواطنين من خلال صور مفبركة عن الواقع على الأرض، وتوجيه مجاهدي "الكيبورد" بمواقع التواصل الاجتماعي بالكذب ونشر صور مدنيين من حروب سابقة على أنهم ضحايا الضربات السعودية وقوات التحالف، ولا أعتقد أن ذلك سوى فرفرة المذبوح، ولن تنطلي الأكاذيب على أحد لأنه ببساطة لم يعد هناك من يسمع لهم إلا مضللين خائفين وقريبا يتخلصون من خوفهم وتيههم، نلقي حقبة "داعش" في مزبلة التاريخ.
&