علي العنزي
فقد الشعب السعودي ومعه الأمتان العربية والإسلامية قائداً تاريخياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، فقد خدم منذ نشأته في مدرسة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وطنه ودينه وأمته، بالتكاتف مع أشقائه الملوك، سعود وفيصل وخالد وفهد، وأسهم في بناء الوطن وتعزيز قدراته، وكرَّس حياته لتقديم كل ما لديه إلى الوطن والمواطن، من دون كلل أو ملل.
&
لقد قام بالعديد من الإنجازات الداخلية، فمنذ ولادته في الرياض في 1-8-1924، وتربِّيه في كنف والده ووالدته، وحتى وفاته، وهو يبني في هذا الوطن الشامخ، فكانت رئاسة الحرس الوطني هو البداية في الإنجازات، فقد عينه الملك سعود رحمه الله عام 1963، رئيساً للحرس الوطني، ليعطي لهذا الجهاز كل اهتمام، ويجعل منه ليس مؤسسة عسكرية تحمي الوطن ومقدراته، بل مؤسسة حضارية تُسهم في التنمية المستدامة في هذا البلد، وأهمها تنمية الإنسان، فهناك المستشفيات التابعة له، والمدارس، وكلية عسكرية، وليصبح واحداً من المؤسسات الحضارية التي يضرب بها المثل في السعودية.
&
ومنذ تعيينه نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء في عام 1975، استمر في العطاء والإسهام في التنمية، جنباً إلى جنب مع الملوك خالد وفهد، وكان خير المعين لهم، واستمر هذا العطاء حتى بعد تعيينه 1982 ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء، ليكون عوناً لأخيه الملك فهد بن عبدالعزيز في إدارة شؤون البلاد، ولاسيما أن المنطقة في ذلك الوقت، كانت تعصف بها الأحداث من كل حدب وصوب، فالحرب العراقية-الإيرانية في بدايتها، والغزو الإسرائيلي للبنان، واحتلاله بيروت، وتداعيات اتفاقية «كامب دافيد» على المنطقة العربية، وكل هذه الأحداث وغيرها، كان الملك عبدالله -يرحمه الله- يقوم بالعديد من المهام التي تساعد على الاستقرار والمحافظة على وحدة الصف العربي والإسلامي.
&
منذ مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -يرحمه الله- في 1-8-2005، وتوليه مقاليد الحكم، شهدت السعودية طفرة تنموية شاملة وفي كل المجالات، ساعده في ذلك زيادة أسعار النفط في تلك الفترة، لذلك لم يفوت الفرصة بالاستثمار التنموي في المجالات كافة، ولاسيما الاستثمار بالإنسان، فأُنشئت الجامعات في جميع مناطق المملكة والعديد من المحافظات، إذ بلغ عددها 28 جامعة حكومية، إضافة إلى عشرات الجامعات الخاصة والمعاهد، وكذلك برنامج الابتعاث الخارجي، الذي شمل ابتعاث مئات الآلاف من الطلاب إلى دول العالم كافة وفي كل المجالات والتخصصات، ليرفد الجامعات بالمتخصصين، ويسهموا في التنمية في البلاد.
&
كما أن إنشاء جامعة بحثية متخصصة كان الشغل الشاغل لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فأمر بإنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول؛ لتكون حاضنة للبحوث ومفتوحة لكل باحثي العالم، بحثاً عن كل ما يفيد هذا الوطن ويساعد هذه الأمة. كذلك كان للقطاع الصحي نصيب كبير مثله مثل التعليم، فقد أمر ببناء المدن الصحية في الجنوب والشمال والشرقية، وكذلك قطاع النقل والمواصلات، فسكك الحديد أصبحت واقعاً في السعودية، بعد أن كانت محصورة على المنطقة الشرقية فقط، فمن أقصى الشمال، حتى أقصى الشرق، ومن جدة إلى مكة فالمدينة، وكذلك ربط الغربية بالوسطى، لتصبح المملكة مربوطة بشبكة قطارات تسهم في نقل الإنسان والبضائع.
&
أسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بتنمية المناطق التي فاتها قطار التنمية، ولاسيما مناطق الشمال والجنوب، لذلك جاءت جولاته الملكية لتؤكد اهتمامه بهذه المناطق، فأمر بإنشاء المدن الصناعية والاقتصادية في جازان وحائل ورابغ، وغيرها، وكذلك مدينة وعْد الشمال في طريف، والتي ستصبح رافداً رئيساً للإسهام في تنمية الوطن اقتصادياً وبشرياً.
&
أما عربياً وإسلامياً فقد كان له دور بارز في حل قضايا عربية وإسلامية، إذ قال أمير الكويت صباح الأحمد في برقية تعزيته ونعيه له: (فقدنا رمزاً شامخاً وقائداً بارزاً)، فقد كانت له المواقف التي يحرص فيها على وحدة الصف، فكان حرصه الأول على القضية الفلسطينية، إذ أصبح الصوت المنادي بوحدة الصف العربية تجاهها، وينادي بوحدة الصف الفلسطيني أولاً، ويدعو إلى نبذ الفرقة والتدخلات الخارجية، ففلسطين عربية وأهلها هم الأولى بها، وجمع الفرقاء الفلسطينيين في مكة للمصالحة، وهو صاحب المبادرة العربية للسلام. كما أنه كان الحريص على وحدة الصف الخليجي فقد كان صاحب المبادرة للمصالحة الخليجية في الرياض، وكذلك وقوفه إلى جانب مصر في أحلك الظروف الاقتصادية والسياسية، ووصف الرئيس السيسي له بأنه قائد تاريخي، فقدته الأمة، كذلك كانت له مواقف مع الشعوب العربية، فوقفته مع الشعب السوري يسجلها له التاريخ.
&
أما عالمياً فوصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما (بالقائد الصادق الشجاع)، فقاد المملكة في أعقد مرحلة من مراحل العلاقات الأميركية-السعودية بعد «أحداث 11 سبتمبر»، إذ عصفت تلك الأحداث بعلاقات البلدين الصديقين، لكن حنكة وصدق الملك عبدالله بن عبدالعزيز، جنبت المملكة الكثير من المصاعب في ذلك الوقت، إضافة إلى قيامه بزياراته التاريخية إلى العديد من الدول الفاعلة في المشهد السياسي الدولي، فزار روسيا ودولاً أوروبية والهند والصين، ليرسل رسالة إلى الجميع بأن السعودية دولة صديقة للجميع وتتعامل مع الجميع، ولذلك أصبح لها حضور دولي فاعل، فهي عضو في مجموعة الـ20 الاقتصادية، وعضو في منظمة التجارة العالمية، لذلك ليس غريباً أن تصنف مجلة فوربس «Forbes» الأميركية عام 2011، الملك عبدالله بن عبدالعزيز كسادس أقوى الشخصيات تأثيراً في العالم.
&
لقد كان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائداً تاريخياً، كسب محبة شعبه وولائه، وكسب احترام شعوب وقادة العالم، وكان حريصاً كل الحرص على الاستقرار والسلم العالمي، واحترام الجميع للجميع، ثقافياً ودينياً، فكان من نادى بحوار الأديان، وأمر بمكافحة الإرهاب والغلو والتطرف، وهو من نادى بالوسطية دائماً؛ لحرصه على الإسلام واحترام الآخرين له.
&
أثبتت السعودية أنها دولة مؤسسات، ووجهت صفعة شديدة جداً لكل المراهنين على الخلافات والمشكلات بين الأسرة، ولذلك ستستمر في مسيرتها ونهجها، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وفقه الله ورعاه، وولي عهده الأمين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وولي ولي عهده الأمير محمد بن نايف حفظهم الله جميعاً.
&
التعليقات