&&كاميليا إنتخابي فرد
&
&
&
&
&
&
&
يقصد الناس العاصمة الفرنسية ليعيشوا لحظات حب، لأن باريس هي مدينة الحب. وبالتالي، أين الخطأ إن ساعدت باريس على تطبيع العلاقات بين إيران والولايات المتحدة؟
يوم الجمعة الماضي، قصد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري باريس في زيارة قصيرة. بيد أن المعترضين على العلاقة بين إيران والولايات المتحدة لم يتركوهما على حالهما، فنشرت صحيفة «كيهان» الإيرانية المتحفظة، في قسم الافتتاحيات، مقالة بعنوان «تخطي حدود عدم اللياقة»، وورد فيها أن ظريف زار باريس إبان تعرض المدينة لهجوم مجموعة إسلامية متطرفة، وما يزيد الطين بلةً هو أنه أمضى وقته، في مدينة الحب والرومانسية، برفقة وزير الخارجية الأميركي جون كيري!
لا مجال للشك في أن إيران والولايات المتحدة تتعاملان بجدية مع المحادثات حول الملف النووي، وبأن الطرفين يتوقان للتوصل إلى حل سلمي. أما النتيجة التي يتوقعها الرئيس أوباما في نهاية المحادثات، فهي إما السلام أو الحرب. ومن اللافت أنه قام يوم الجمعة، في 16 كانون الثاني (يناير)، بتحذير أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الأميركيين من فرض عقوبات جديدة على البرنامج النووي الإيراني أثناء المحادثات.
وقال أوباما للنواب الأميركيين إنه سيمارس حق الفيتو على أي قانون جديد يصل مكتبه ويفرض عقوبات جديدة على إيران، مضيفاً أن خطوة من هذا القبيل ستفسد المحادثات الديبلوماسية وتزيد احتمال خوض صراع عسكري مع طهران.
وكان لقاء قد جمع إيران بالقوى العظمى يوم الأحد الماضي في جنيف، بعد أربعة أيام من المحادثات الرفيعة المستوى بين إيران والولايات المتحدة في هذه المدينة، تلتها محادثات في باريس بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري. وقد مشيا جنباً إلى جنب، وتحدثا طوال 15 دقيقة في جنيف، في ما شكل دليلاً إيجابياً على إحراز تقدم قبل اجتماع باريس. وسيعاودان الاجتماع في دافوس خلال هذا الأسبوع في سياق المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في سويسرا.
واللافت أن نداء الرئيس أوباما لمجلس الشيوخ الأميركي وصل حتى إلى المملكة المتحدة، أقرب حليف وشريك للولايات المتحدة، بعد أن طلب رئيس الوزراء البريطاني من مجلس الشيوخ، يوم الجمعة، الامتناع عن فرض عقوبات خلال فترة المحادثات. وكشف ديفيد كاميرون أنه مارس ضغوطاً هاتفية على أعضاء مجلس الشيوخ، وطالبهم بتعليق القانون الذي يفرض عقوبات على إيران. وتُظهر المناشدة الصريحة لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي مدى جدية المحادثات، وتكشف كذلك هشاشتها. ولفت كاميرون إلى أن مناشداته هذه «لا تهدف بأي شكل... إلى تعليم مجلس الشيوخ الأميركي بما عليه أن يفعله أو لا يفعله». وهو أراد، بدلاً من ذلك، إخبار هذا الأخير بأن «المملكة المتحدة ترى أن فرض عقوبات إضافية، أو التهديد بفرض عقوبات إضافية لن يجدي نفعاً في هذه المرحلة».
بيد أن مناشداته هذه، والتحذيرات التي وجهها أوباما إلى مجلس الشيوخ، تخبرنا بأن غالبية النواب الأميركيين يعترضون على إجراء محادثات مع إيران، أو ربما يستحسن القول إنهم يعترضون على البرنامج النووي الإيراني، نقطة على السطر. وفي ما عدا ذلك، من الواضح أن الرئيس أوباما وفريق المتفاوضين حول الملف النووي لديه أنجزوا الكثير خلال مرحلة السنة ونصف السنة الماضية، بعد أن نجحوا في الحد من تقدم البرنامج النووي الإيراني.
وورد في الاتفاق المرحلي الذي تم التوصل إليه في جنيف، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013، أنه يُمنع فرض أي عقوبات جديدة خلال فترة المحادثات، لأن هذه الأخيرة قد تقوض أي اتفاق يمكن التوصل إليه.
أما الواقع، بكل بساطة، فهو أن أي عقوبات جديدة ستكون أداة تستعملها إيران لوقف المحادثات واستئناف برنامجها النووي، بغض النظر عن النتائج.
ويبدو أن الرئيس أوباما، الذي أدرك دقة الوضع، يريد منح إيران أكبر عدد ممكن من الضمانات بعدم تعرضها لعقوبات جديدة، حتى لو أرغمه ذلك على التصدي لمجلس الشيوخ في المستقبل القريب. ويبدو أن جل ما أرادته إيران والولايات المتحدة خلال الأسبوع الجاري هو صياغة مسودة وثيقة مشتركة، من شأنها أن تعجل وتيرة المحادثات حول اتفاق نووي. بيد أن الوثيقة المذكورة لم تجهز حتى الساعة على ما يبدو، ما دفع بالمتفاوضين الآخرين في القوى الغربية العظمى إلى دعوة الطرفين إلى جنيف مجدداً، قبل انتهاء المحادثات في 19 كانون الثاني (يناير). ويشير موقع «المونيتور» الإلكتروني إلى أنه بحسب مصدر مقرب من المحادثات، ستُعتبر الوثيقة، في نهاية المطاف، عنصراً من الاتفاق الإطاري الذي حاولت إيران التوصل إليه بالتعاون مع مجموعة القوى العظمى زائد واحد بحلول آذار (مارس) المقبل.
لا شك في أن الوثيقة المشتركة، والاتفاق السياسي، وإطار العمل التقني، كلها أسماء وخطط تكشف عن العمل الدؤوب الذي يُقدِم عليه كل من الطرفين، وعن الجهود التي يبذلانها لإيجاد حل، فيشقان طريقاً لاستكمال المحادثات، حتى التوصل إلى اتفاق شامل قبل حلول المهلة النهائية المحددة في تموز (يوليو) 2015.
ومن المؤكد أن مجلس الشيوخ الأميركي ليس الطرف الوحيد الذي يتصدى للاتفاق. ففي إيران أيضاً، تُسجل مقاومة كبيرة للمحادثات، وتُفرَض قيود على البرنامج النووي.
لقد أثبتت التجربة أن الوقت عدو، وفهم الطرفان أنه من الضروري التوصل إلى نتيجة على جناح السرعة، حتى لو جاءت بتسمية «الوثيقة المشتركة»، ليثبتا أنه تم إحراز تقدم في المحادثات، وللإبقاء على زخمها، في مسعى منهما لصنع التاريخ. وإن قام ظريف وكيري بمحاولة تاريخية عندما سارا جنباً إلى جنب في أحد شوارع جنيف، لن تكون مفاجأة إن قلنا ذات يوم إن جون كيري يستعد لزيارة ظريف في طهران، كما وعد أوباما، بهدف توطيد العلاقات، في حال توصل الإيرانيون إلى اتفاق نووي شامل مع الغرب. ومع أن سياسة أوباما الخارجية تنطوي على قدر مبالغ من الرومانسية، بالنسبة إلى دولة ثورية مثل إيران، تجدر الإشارة إلى أن الرفض، في بعض الأحيان، قد يؤدي إلى رد فعل أكثر تعقيداً وقسوة مما تصورنا.
&
التعليقات