أحمد الغز

تعاظمت الأحداث في فلسطين وأظهرت قوات الاحتلال الإسرائيلي عنفاً موصوفاً بأنه يرقى إلى جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، مما بات يهدد بانتفاضة فلسطينية جديدة لا أحد يعرف نتائجها على المنطقة والعالم، الذي يعيش أزمات الحرب على الإرهاب وأزمة النزوح الكبيرة

&


صادف يوم ٢٢ أكتوبر، الذكرى السادسة والعشرين لإتمام وثيقة الوفاق الوطني اللبناني في مدينة الطائف السعودية، تلك التسوية التي أنهت الحرب الأهلية وما تسببت فيه من قتل ودمار وتهجير فاق كلّ خيال وخصوصاً في بلد مثل لبنان، كان مغرقاً بالمدنية والانفتاح والسياحة والاصطياف، حين كانت بيروت مدينة لا تنام، وكان العرب قد جعلوا من لبنان وطناً ثانياً قولاً وفعلاً، ولا نغالي إذا قلنا إنّ أغلبية النخب المشرقية والخليجية كانت من خريجي جامعات لبنان، ورغم ذلك شهد لبنان نزاعاً أهلياً مسلحاً ومدمراً ووحشياً، وربما نستطيع الآن أن نعرف أهمية النزاع اللبناني بالنسبة لمن يصنع الفوضى والنزاعات في منطقتنا لأنّه من الواضح أن لبنان كان ساحة اختبار لهذه الصناعة الفتاكة بالدول والشعوب على حد سواء.


تأتي هذه الذكرى بعد ستة وعشرين عاماً على اتفاق الطائف، التسوية التاريخية التي رعتها السعودية والذي يجعلنا نعيد التذكير بهذه المناسبة هو ما تشهده المنطقة خلال الأيام الماضية من تسارع للتطورات والتصريحات الإقليمية والدولية، والتي تستدعي البحث عن تسويات تنهي النزاعات المسلحة في سورية واليمن وليبيا، والأهم من كلّ ذلك في فلسطين أيضاً وهو أطول نزاع في التاريخ الحديث.
بدأ الأسبوع المنصرم بإعلان الحوثيين وعلي عبدالله صالح قبولهم بالقرار الدولي ٢٢١٦، والذي يتضمن المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية، وأيضاً ما يعرف بمخرجات الحوار الوطني وكلّ الوثائق التي أسست لشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ثم جاءت موافقة الحكومة اليمنية الشرعية على دعوة بان كي مون بالذهاب إلى جولة مفاوضات بين اليمنيين بإشراف الأمم المتحدة، وعلى أساس شرعية هادي والقرار الدولي ٢٢١٦، والذي أكد على شرعية عمل التحالف العربي بقيادة السعودية، ومن دون أن ننسى أهمية المشاركة العسكرية السودانية في تعز وغيرها، وهذا له دلالاته فيما يعرف بالمنظومة الأمنية للبحر الأحمر الذي أرادت إيران اختراقها.


أيضاً تحركت هذا الأسبوع الاتصالات حول سورية، وبدأ الحديث عن تسوية أو طائف سوري يؤدي إلى مرحلة انتقالية، وجاء ذلك بعد الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا على إثر دخولها العسكري الميدان السوري وبقوة، ثم كانت زيارة الأسد إلى موسكو وما تبعها من اتصالات أجراها الرئيس بوتين مع قادة المنطقة، وبدأها باتصاله مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ثم مع الرئيس التركي إردوغان، ومع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والملك الأردني عبدالله الثاني، وكلّ هذه الاتصالات وبما فيها زيارة الأسد لموسكو جاءت بعد الإعلان عن اجتماع رباعي بين وزراء خارجية كلّ من أميركا وروسيا والسعودية وتركيا في فيينا، وهو اللقاء الذي حدث لمناقشة الممكن والمستحيل في النزاع السوري والذي يشكّل دور الأسد في المرحلة الانتقالية المشكلة الأساس في كلّ الاتصالات والحلول المطروحة للخروج من الأزمة السورية الخطيرة جداً.


أيضاً تعاظمت الأحداث في فلسطين وأظهرت قوات الاحتلال الإسرائيلي عنفاً موصوفاً بأنه يرقى إلى جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، مما بات يهدد بانتفاضة فلسطينية جديدة لا أحد يعرف نتائجها على المنطقة والعالم، الذي يعيش أزمات الحرب على الإرهاب وأزمة النزوح الكبيرة، وخصوصاً مع تراجع الإدارة الأميركية عن تعهداتها تجاه حلّ الدولتين من خلال رعايتها المنفردة لعملية السلام في ظل إدارة أوباما من خلال مبعوثه الرئاسي جورج ميتشل إلى المنطقة لسنوات، الذي لم يحقّق فيها أي نتائج، وتنصّل من تعهداته تجاه الفلسطينيين قبل بدء المفاوضات، ونستطيع أن نستدل على خطورة ما يحدث من خلال الزيارة السريعة وغير المتوقعة للأمين العام للأمم المتحدة إلى القدس ولقاء نتانياهو ومحمود عباس، ثم تحدثه عبر سكايب مع مجلس الأمن الملتئم في جلسة مغلقة حول وضع المسجد الأقصى لمناقشة المقترح الفرنسي الذي يمهّد أيضاً لعملية انتقالية في ما يعرف بحلّ الدولتين الذي طال انتظاره.


لا شكّ أنّ الحديث عن المراحل الانتقالية في سورية واليمن والعراق وليبيا سيكون الموضوع الأساس على المستويين الإقليمي والدولي، وسيأخذ أشكالاً مختلفة حسب واقع النزاع في كلّ بلد والأطراف المتداخلة فيه، إنّما الأكثر قرباً من التحقق هو المرحلة الانتقالية اليمنية لأنّ التحالف العربي استطاع أن يهزم الانقلابيين على التسوية الانتقالية اليمنية، أما بالنسبة لسورية وليبيا والعراق فالأمور لا تزال في بدايتها ومن المبكر الحديث عن نتائجها السريعة، إلاّ أنّنا دخلنا في طورها، وهي قد تشهد عنفاً كبيراً كي تصبح قابلة للتحقق، إنّ ما نستطيع أن نؤكده أنّ لبنان كان ساحة اختبار النزاع والحلول، وأنّه ليس أمام سورية سوى الطائف مهما طال السفر.
&