حمد المانع

لا أدري عن ماذا يعتذر توني بلير، بعد أن شُرد الشعب العراقي وأُهين ودُمرت بلاده وأُهدرت موارده، وحُكم عليه بالعودة إلى الوراء نصف قرن على الأقل، ومزقته الفتنة الطائفية والحرب الأهلية!

&


أحيانا يفقد الاعتذار معناه، بل يفقد قيمته، تماما مثل هذا الاعتذار الذي تقدم به السيد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق، للأمتين العربية والإسلامية عن غزو العراق، بحجة وجود أسلحة دمار شامل، اتضح لاحقا أنها لم تكن سوى ذريعة لتقويض قوة الجيش العراقي حتى يطمئن الغرب إلى أنه ليس هناك ما يخشى على طفلهم المدلل إسرائيل، ضمن المساعي الحثيثة التي ما زالت تستكمل لتقويض قوى جيوش دول الطوق الإسرائيلي، ثم بعد نحو 13 عاما، ها هو ذا السيد بلير يعتذر! لا أعرف لماذا، وعن ماذا بالتحديد يعتذر!
فالجرائم التي ارتكبت في حق الشعب العراقي كثيرة جدا، واختزالها في كلمة غزو فقط، جريمة لا تقل فداحة عنها، بعدما شُرد الشعب العراقي وأُهين ودُمرت بلاده وأُهدرت موارده، وحُكم عليه بالعودة إلى الوراء تعليميا واجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا نصف قرن على الأقل، ومزقته الفتنة الطائفية والحرب الأهلية، بمباركة حكامه الجدد الذين لم تنههم مواطنتهم أن يعودوا إلى بلادهم على صهوات دبابات الغزاة، ليحكموا بلادهم لصالح الغرب ولصالح الفرس بالوكالة، وهو تماما ما فعله نوري المالكي الذي كان يجلس على سدة الحكم في العراق، في عهد طائفي بامتياز يسابق فيه السيد المالكي ورفاقه الزمن لتسليم مفاتيح كل شبر في العراق لدولة الملالي، ليلحق سنة العراق في بلادهم بمصير إخوتهم عرب الأحواز الذين تمت فرسنتهم بالقوة والقهر.


وقبلهم المدعو رافد أحمد علوان الجنابي، ملفّق الادعاءات حول أسلحة العراق للدمار الشامل، والتي مهّدت الطريق أمام الغزو وبدء حرب امتدت 9 سنوات أودت بحياة أكثر من 100 ألف شخص، ثم في الأخير يقول إنه ليس نادما على جريمته! وأتصور أنه بهذا الاعتراف وبعدم شعوره بالندم متسق مع نفسه، فهو عنصر استخبارات أميركي بامتياز، مهما برر فعلته بالرغبة في الإطاحة بحكم صدام حسين، محاولا إضفاء صبغة نضالية على وقعة عمالته الواضحة، فواقع الأمر أنه أطاح بالعراق وأهله، فيا له من نكد أن يسعى جاسوس ليصنع من نفسه بطلا قوميا في مشهد تزييف كامل تغتال فيه الحقائق مثلما يغتال كل شيء في العراق الجريح اليوم.


أيضا، هل نسمع قريبا اعتذارا مماثلا للسيد جورج بوش الابن شريك السيد بلير في الجريمة التاريخية في حق الشعب العراقي وثالهما الشيطان؟
لكن ماذا يفيدنا اعتذارهما وقد أصبح عراق الأمس ماضيا نتحسر جميعا على أطلاله.


واقع الأمر أن من عليهم الاعتذار للعراق اليوم كثيرون، سواء من غير أبنائه، أو من أبنائه الذين لا ينتمون إليه إلا من واقع بطاقات الهوية وحسب، في حين أنهم أميركيون خلص، أو إيرانيون خلص، يعملون لصالح أجندات الدول التي أتت بهم إلى سدة الحكم في العراق على صهوات دباباتها، لاستكمال أهداف الاحتلال سواء في العراق أو في غيره من دول المنطقة، فلم يعد خافياً على أحد أن العراق لم يكن سوى أحد مشاهد سيناريو سايكس بيكو الجديد لتقسم المنطقة، وإعادة توزيع خريطة القوى فيها، على نحو يسمح بحماية المصالح الأميركية والغربية في الإقليم، ويؤمّن حدود دولة الاحتلال العقرب التي ستجدونها تحت كل حجر في المنطقة.


إن الشاهد في هذا كله، مع أسفنا على هذا المآل الحزين لعراقنا العظيم، أن جرائم الغرب لن تتوقف، والأعذار ما أسهلها، والقوم لا يمانعون في أن يعتذروا لنا لاحقا من باب الترضية ومغازلة مشاعرنا، لكن الأخطر هو أولئك النفر من بني جلدتنا الذين لن يمانعوا في تسليم بلادهم إلى المحتل من أجل الوصول إلى سدة الحكم فيها تحت وصايته، وهذا الصنف من الخونة، ليس حكرا على العراق وحده، فاحذروهم.
&