إسماعيل جمال &

& تتزايد التكهنات والتحليلات التي تسعى لتفسير الصعود الكبير لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، وتمكنه من رفع نسبة أصواته من 40٪ في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من يونيو/حزيران الماضي، إلى 49٪ في انتخابات الأحد الماضي، في صعود فشلت جميع مراكز استطلاعات الرأي بتوقعه حتى التابعة منها للحزب الأقوى في البلاد منذ 13 عاماً.
وبحسب التحليلات التي نشرتها الصحف التركية ومقالات أبرز الكتاب الأتراك، وتحليلات وسائل الإعلام الموالية للحكومة والمعارضة، فإن الصعود الكبير للحزب ساهمت فيه مجموعة كبيرة من العوامل الداخلية والخارجية، السياسية والاقتصادية والجغرافية، تعرضها «القدس العربي» على النحو التالي.

الأسماء القوية

بموجب القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية الذي يمنع أعضائه من المشاركة في أكثر من 3 فترات انتخابية كحد أقصى تم منع عدد كبير من القيادات التاريخية والبارزة للحزب من المشاركة في انتخابات السابع من يونيو/حزيران الماضي، الأمر الذي أثر على شعبيته وقبول القاعدة الشعبية بالمرشحين الجدد.
لكن في المؤتمر العام الذي عقد في الثاني عشر من أيلول/سبتمبر الماضي اتخذ الحزب سلسلة من القرارات الهامة، أبرزها انتخاب لجنة مركزية جديد قوية للحزب وأجريت بعض التعديلات على قانون «الثلاث فترات» الأمر الذي سمح لعدد من القيادات البارزة والتي تمتلك قاعدة شعبية واسعة بالعودة إلى الترشح على قوائم الحزب. ومن أبرز هذه القيادات علي باباجان وزير الاقتصاد السابق والذي يطلق عليه «رائد النهضة الاقتصادية التركية»، وبينالي يلدريم وزير النقل والمواصلات السابق، وبشير أتلاي نائب رئيس الوزراء، وبكير بوزداغ نائب رئيس الوزراء، وفاروق تيليك وتانر يلديز وعدد آخر من القيادات البارزة والتي بالفعل تمكنت من العودة مجدداً لمقاعد البرلمان.

الوعود الاقتصادية

في الانتخابات الماضية كان حزب العدالة والتنمية يركز على الشعارات والوعود حول نهضة الجمهورية والمشاريع الضخمة كمشروع المطار الثالث والجسر الثالث وتطوير المدن وبناء الجيش وتطوير الاقتصاد ووضع تركيا بين أكبر 10 دول اقتصادية في العالم. لكن الحزب هذه المرة حيد هذا الخطاب جانباً واقترب أكثر من هموم المواطنين ومطالبهم، فانصبت وعوده الاقتصادية على ما يهم الناخبين بشكل مباشر، فأطلق وعود تتعلق بزيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل ومميزات الوظائف الحكومية والأعمال الخاصة.
كما أن رئيس الحزب أحمد داود أوغلو قدم وعوداً بالأرقام برفع أجور المتقاعدين ورفع المنح الحكومية للطلاب الجامعيين، كما قدم وعوداً بتحسين ظروف سكنات الطلاب الجامعية والمنح ورفع الحد الأدنى للأجور وتقديم منح مالية وقروض بدون فوائد للشاب للعمل على بناء مشاريع خاصة.

دعم أردوغان

على الرغم من أن الدستور التركي يمنع أردوغان من ممارسة أي نشاط لدعم أي حزب سياسي في الانتخابات ويشترط عليه الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، إلا أن مؤسس الحزب وزعيمه التاريخي ما زال لا يتمكن من كبح رغبته في إبداء الدعم له بأي طريقة ممكنه.
وبنسبة أقل عن الانتخابات الماضية، واصل أردوغان حملات دعمه «غير المباشرة» للعدالة والتنمية من خلال تكثيف مشاركته في افتتاح المشاريع الكبيرة في البلاد ونسب هذه الانجازات لنموذج العدالة والتنمية في الحكم واعداً بالاستمرار في النهوض الاقتصادي والسياسي للبلاد.
ودعا أردوغان في خطاباته السابقة الشعب إلى اختيار الاستقرار والحزب القادر على النهوض في البلاد وتحقيق الأمن والسلام فيها، وهي كلها إشارات إلى الحزب الذي أسسه عام 2001.

الرغبة بـ«الاستقرار»

كما كان متوقعاً صوتت شريحة مهمة من الناخبين خاصة من الذين لم يصوتوا للعدالة والتنمية في الانتخابات السابقة من أجل «الاستقرار»، ففشل الأحزاب في تشكيل ائتلاف حكومي طوال الأشهر الماضية أدخل البلاد في حالة من «الفراغ السياسي» أثرت على الحياة والاقتصاد بشكل كبير جداً. فمنذ انتخابات السابع من حزيران/ يونيو الماضي، يخوض الجيش التركي حرباً ضد المسلحين الأكراد أدت إلى مقتل وإصابة الآلاف من الجانبين، كما هزت تفجيرات مدينة سوروج والعاصمة أنقرة قتلت المئات، وأدت هذه التطورات إلى انخفاض تاريخي في قيمة العملة التركية مقابل الدولار واليورو وهبوط حاط في البورصة.
فالناخب التركي كان أمام خيارات ضيقة، فعدم حصول العدالة والتنمية على الأغلبية البرلمانية كان يعني استمرار حالة الفراغ السياسي، لذلك كان التصويت للعدالة والتنمية هو أقصر الطرق للوصول إلى الاستقرار السياسي والدفع بالاقتصاد إلى ما كان عليه سابقاً.

تجميد «عملية السلام» مع الأكراد

منح تجميد عملية السلام مع الأكراد حزب العدالة والتنمية أصوات شريحة من الإسلاميين القوميين الذين صوتوا لحزب الحركة القومية في الانتخابات الماضية بعد التقدم الذي حققته «مسيرة السلام الداخلي» التي قادها العدالة والتنمية طوال الفترة الماضية ولاقت معارضة كبيرة من القوميين. وكانت الحكومة التركية قررت تجميد عملية السلام عقب الأحداث التي تلت تفجير سوروج وأعلنت الحرب ضد المسلحين الأكراد، الأمر الذي أدى إلى ارضاء هذه الشريحة وجعلها تعود لحضن العدالة والتنمية الذي أبدى تشدداً كبيراً خلال حملته الانتخابية اتجاه أي حلول مقبلة مع الأكراد. وما يدلل على ذلك أن حزب الحركة القومية كان أكبر الخاسرين لصالح صعود العدالة والتنمية، حيث فقد الحزب أكثر من 4٪ من أصواته (ما يعادل 80 مقعداً).

ربط الشعوب الديمقراطي بالمنظمات الإرهابية

تركزت حملة العدالة والتنمية على الربط بين الهجمات الإرهابية التي نفذها مسلحو حزب العمال الكردستاني وبين حزب الشعوب الديمقراطي ـ الكردي ـ الأمر الذي أدى إلى امتناع شريحة تقدر بـ2٪ عن التصويت لصالح الحزب مقابل دعم الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية في حربها ضد «الإرهاب».
فالرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس وزراءه أحمد داود أوغلو اتهموا بشكل مباشر حزب الشعوب الديمقراطي بأنه الجناح السياسي لمسلحي حزب العمال الكردستاني، الذي نفذ هجمات دامية ضد الجيش والشرطة التركية زادت من حدة الاحتقان القومي والشعبي ضد «الشعوب الديمقراطي». وكاد حزب الشعوب الديمقراطي أن يسقط تحت «العتبة الانتخابية» البالغة 10٪، حيث حصل على 10.8٪ من الأصوات، بعد أن حصل على 13.3٪ في انتخابات يونيو/حزيران الماضي.

عدم الحديث عن «النظام الرئاسي»

في الانتخابات السابقة ركز حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية على التأكيد على ان أهم خطواته بعد الانتخابات ستتمثل في تحويل نظام الحكم إلى رئاسي من خلال كتابة دستور جديد، وهو الأمر الذي واجه توجساً شعبياً من زيادة صلاحيات الرئيس أردوغان.
وتفادياً لذلك، رفع الحزب هذا الشعار من حملته للانتخابات الأخيرة، ولم يتطرق سواء الرئيس أردوغان أو رئيس الحزب داود أوغلو الحديث إلى هذا الأمر في محاولة لطمآنة المتخوفين من توسيع أردوغان لنفوذه وسلطته داخل الدولة.
قاد حزب العدالة والتنمية في الأيام الأخيرة حملات انتخابية واسعة كانت أكبر بكثير وأنظم من التي قامت بها أحزاب المعارضة، وعمل داود أوغلو وجميع طواقم الحزب ليل نهار حيث تم تنظيم مهرجانات انتخابية في معظم المحافظات التركية الـ81.
كما فَعل الحزب «جيشه الإلكتروني» المكون من آلاف النشطاء الذين يبثون دعاية الحزب في وسائل التواصل الاجتماعي ويدافعون عن فكرته، بالإضافة إلى حملات من بيت إلى بيت والتركيز على العنصر النسائي وتأثيره في حسم نتائج الانتخابات.

إمكانيات الدولة والإعلام

اتهمت أحزاب المعارضة الحزب الحاكم بتسخير جميع امكانيات الدولة للحزب من خلال البلديات التي يسيطر على جزء كبير منها، واستخدام وسائل المواصلات العامة في نقل الجماهير والعديد من الإمكانيات الأخرى، وهو ما نفاه الحزب بشكل متكرر.
من جهة أخرى، يمتلك العدالة والتنمية منظومة إعلامية الأضخم في البلاد ولديه كم كبير من الفضائيات والصحف اليومية والإذاعات التي عملت على بث دعاية الحزب الانتخابية، بالإضافة إلى اتهام المعارضة للحكومة بتسخير وسائل الإعلام الحكومية لدعم مرشحي الحزب الحاكم.

كثافة المشاركة في التصويت

أجمعت العديد من التقارير عقب الانتخابات الماضية أن جزء من مؤيدي حزب العدالة والتنمية امتنعوا عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع، بسبب عدم قبولهم ببعض سياساته في الآونة الأخيرة، إلا ان اشتداد التجاذبات السياسية في الداخل وبين الحكومة والمعارضة أدى إلى ارتفاع نسبة التصويت إلى أكثر من 87٪ وهو ما خدم العدالة والتنمية بالدرجة الاولى.
كما ان ارتفاع نسبة التصويت في الداخل أدت إلى تقليل تأثير أصوات الخارج التي تسيطر المعارضة على جزء مهم منها في بعض الدول.

&