& صالح القلاب

&
عندما تصل أعداد القوات البرية الروسية في سورية إلى 4000، وعندما يستنجد الروس بالمزيد من الصواريخ لحماية طائراتهم وقواتهم في هذا البلد، وعندما يتحول التدخل الروسي إلى حرب مكشوفة ضد الشعب السوري، وضد المعارضة المعتدلة تحديداً، ثم عندما يزداد سيرغي لافروف لإلباس الباطل ثوب الحق وتسويق منتسبي مخابرات بشار الأسد على أنهم معارضة، ألا يعني هذا أن موسكو غدت متورطة في هذا الصراع المتواصل منذ نحو خمسة أعوام، والذي بقي يزداد مأساوية ودموية يوماً بعد يوم، وأنها باتت تغرق في المستنقع السوري بالفعل، وأن تجربة ما حدث مع الاتحاد السوفياتي في أفغانستان لم تعد بعيدة.


ثم إذا ثبت أن طائرة سيناء الروسية قد تم إسقاطها بعمل "إرهابي" على خلفية تورط روسيا في حرب "أهلية" ليست حربها، فالمفترض أن تعطي نفسها فرصة لمراجعة حساباتها بدون أوهام وبلا ألاعيب "وزعبرات"، وبحيث تدقق جيداً في ما إذا كان بقاء بشار الأسد مفروضاً على الشعب السوري بالقوة يستحق أن تُغرق موسكو كل أوضاعها في مستنقعٍ من المفترض أنها، بحكم تجاربها الكثيرة، تعرف أنه سيكون أبشع من مستنقع أفغانستان، وبالتالي فإن مصير فلاديمير بوتين سيكون أسوأ كثيراً من ليونيد بريجنيف الذي ثبت أنه كان ضد تدخل الاتحاد السوفياتي العسكري في الشؤون الأفغانية.


الآن، وبعدما بات في حكم المؤكد أن طائرة سيناء الروسية قد أُسقِطت باستهدافٍ على خلفية التدخل العسكري الروسي غير المبرر إطلاقاً في سورية، فإن الروس سيبدأون التساؤل حول أسباب وموجبات هذا التورط الذي سيكون ثمنه غالياً ومكلفاً، والذي سينتهي قريباً إلى أن يصبح بمنزلة غرق في مستنقع جديد أسوأ كثيراً من المستنقع الأفغاني، وهذا بالتأكيد سيدفع فلاديمير بوتين ثمنه غالياً، وبخاصة أن أوضاع روسيا في غاية السوء، وأنها غير قادرة على تحمل تبعات حرب مكلفة طويلة.
المعروف أن الرئيس فلاديمير قد أقدم على هذه المغامرة المكلفة ليس حباً في بشار الأسد، مستغلاً ضعف إدارة باراك أوباما وميوعتها وترددها ليفرض عليها "المساومة" التي يريدها بالنسبة لمشكلة "القرم" و"أوكرانيا"، وأيضاً بالنسبة لمشكلة العقوبات المفروضة على روسيا، وهذا يعني أن عليه ألا يتمادى كثيراً، وألا يغرق نفسه وبلده في المستنقع السوري، وأن يستفيد من عامل الوقت ويقبل الحصول على ما يمكن الحصول عليه، وذلك لأنه إن أخذته العزة بالإثم فإن الثمن الذي سيضطر إلى دفعه سيكون غالياً... واللهم فاشهد!


والمفترض على بوتين، لأن خلفيته استخبارية وأمنية، أن يعرف ويدرك أن طائرة سيناء، إن ثبت أنها أسقطت بعمل "إرهابي"، فإنها ستكون البداية لا النهاية، وأن الشعب الروسي سينقلب ضده وأن دول الاتحاد الروسي الإسلامية لن تبقى صامتة طويلاً، لاسيما أن كل المؤشرات توحي بأن شعوبها لن تقبل مواصلة ذبح الشعب السوري بالصواريخ والطائرات والقنابل الروسية... لقد أصبحت روسيا بعد هذا التدخل طرفاً في حرب دينية ومذهبية، وهذا يعني أن هذا سينعكس على علاقاتها بالدول الإسلامية في محيطها، ويعني أن عشرين مليوناً من "مسلميها" لن يبقوا صامتين إزاء ما يتعرض له أشقاؤهم في سورية على أيدي مغاوير الجيش الروسي.
وعلى الرئيس فلاديمير بوتين أن يأخذ العبرة من كارثة طائرة سيناء، وأن يدرك أن هذه المأساة هي البداية، وعليه أن يتحلى بالشجاعة المطلوبة في مثل هذه الأوضاع والمواقف، وأن يتدارك الأمور قبل أن تبدأ روسيا بالغرق في المستنقع السوري... إن العناد في مثل هذه الأمور أسوأ المواقف والسياسات وأكثرها كلفة... ونتائجه تعني أن القادم سيكون أسوأ، ولذا لابد من التراجع قبل أن يصبح التراجع أكثر كلفة من الاستمرار في حرب ظالمة من المفترض أن الشعب الروسي الصديق لا علاقة له بها، لا من قريب ولا من بعيد!