سمير عطا الله

لكي يحكم جوزيف ستالين كان لا بد أولاً من زرع الخوف. ما هي شجرة الخوف؟ الرفاق. وكان لا بد أن يطهر الحزب من المنافسين. من هم المنافسون؟ الرفاق. ولكي يضمن ولاء العسكريين، كان لا بد من تطهير القوات المسلحة، ممن؟ من الرفاق. هكذا يدب الخوف أكثر في أوصال الجميع، أقرباء، بعيدين، وبين بين.


لكل ذلك لا بد من تهم مزيفة ومحاكمات صورية «لأعداء الثورة». بين أول من أعدموا أبطال ثورة 1917: كلاب فاشية، إرهابيون منحطون. ثم استدار نحو الجيش: من بين 101 من أعضاء القيادة العسكرية اعتقل 91. ومن الـ91 أعدم الجميع إلا تسعة، بينهم ثلاثة من 5 مارشالات الاتحاد، وضابطان برتبة أدميرال، وجميع ضباط السلاح الجوي. فلنبدأ من جديد.


نسخت الأنظمة العربية المعلم ستالين نسخًا بالغ الأمانة. محاكمات صورية، وسجون معتمة، وإعدامات، ومؤبد، وخصوصًا، خصوصًا، بين الرفاق. ودبَّ الخوف في الجميع. وصارت المواليد تطل خائفة ومدجّنة. وأُقفل باب النقاش. وحرم التفكير. وألغي الفرد. وتحولت الجيوش إلى شرطة في خدمة الأنظمة. والعواصم العربية الكبرى التي كانت تنبعث منها الأنوار لم تعد تُرسل طلابها إلى الخارج، بل ضباطها إلى برلين الشرقية، يحضرون دورات خاصة في الرعب والإرهاب والذل.


لمن يقوى على المشاهدة، هناك معرض لـ«الشتاسي» في برلين الشرقية، يمكن من خلاله معرفة ماذا تعلمت الأنظمة من الألمان، الذين هم أيضًا شعب العلوم والفلسفة والفكر والشعر. نحن اخترنا «الشتاسي»، حيث الأخ جاسوس على أخيه، والمرأة واشية على زوجها، والأب مبلّغ عن تيارات أبنائه.


الذين ثاروا على ستالين أولاً كانوا رفاقه. والذين هدموا الاتحاد السوفياتي كانوا أركانه. والذين أقاموا متحف «الشتاسي» الخانق في برلين كانوا ضباطه السابقين.
الخوف لا يدوم. ذات يوم تفتت جدار برلين بالأيدي العارية. وواجه الليبيون الطائرات بالعصي والنبابيت التي كان القذافي يدعو إلى تحرير فلسطين بها. ولم تصمد سجون العراق. لكنه بلد سيئ الطالع، تزول سجون وتقوم أخرى. وتزول محاكمات وتقوم أخرى، منذ أن أقام العقيد محمد أمين المهداوي محكمة الثورة لابن خالته، الزعيم الأوحد. وكان يغذّي أحكامه بالقصائد، كما سيفعل صدام لاحقًا في مواجهة 33 دولة، بينها 500 ألف جندي أميركي.


ينفجر الخوف مرة واحدة. فإما أن يهدم الجدران، كما حدث في برلين، وإما أن يهدم البلدان، كما فعل عندنا. عادة قديمة.
&