&أهمية مواجهة الإرهاب بالفكر وإشغال الوقت واستخدام التقنية الحديثة
&حمد بن عبد الله اللحيدان
استكمالاً لمشاركتي في التحقيق الذي نشرته جريدة الرياض يوم الاثنين بتاريخ 27 / 1 / 1437ه العدد رقم 17304 تحت عنوان "التطرف: المواجهة تبدأ بتنوير العقول" أقول:
لا زلنا نواجه حرب الارهاب بالوسائل الامنية بصورة رئيسية وعلى الرغم من تفوق تلك الوسائل وقدرتها الفائقة على السبق والاحباط والتعامل والتفوق والمباغتة والسرعة وهو الامر الذي جعل المواطن مطمئنا والامن مستتبا والارهاب يندحر والعدو يقهر الا ان ذلك يحتاج الى مؤازرته بأساليب فكرية مساندة وموازية
نعم هناك فراغ لدى عدد كبير من الشباب وانغلاق فكري لدى بعض منهم وكلاهما مدعوم بعدم توفر المرافق والتسهيلات والوسائل التي تقضي على وقت الفراغ وتعمل على تنوير العقول بالاضافة الى محدودية فرص العمل ناهيك عن بروز إشكالية في التواصل بين مكونات المجتمع بما في ذلك مكونات الاسرة الواحدة وذلك بسبب عوامل متعددة منها فارق السن والاهتمامات والانشغال الا ان الادهى والامر هو الانغماس بمخرجات التقنية مثل الانترنت ومخرجاتها من ادوات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك واخواتهما والتي عزلت وقللت من التواصل الحي بين افراد الاسرة الواحدة فما بالك بالمجتمع ما جعل الشباب يصبحون نهبا لتلك الوسائل خصوصا مع غياب ما يشغل الوقت بالمفيد وبالتالي انعزالهم وانغلاقهم على أنفسهم.
وهذا بدوره جعل من تلك الادوات الصديق الاول للشباب حيث يقضي الشاب اغلب بل جل وقته معها حتى انها عطلت البعض عن المذاكرة والاهنمام بالواجبات الاسرية والمدرسية وربما العمل مع العلم أن الحوار في هذه الادوات غالبا ما يكون من جانب واحد ذلك ان الشاب يصبح بمثابة المتلقي فقط دون ان يكون له خيار او دور او اعتراض على ما يشاهد او يقرأ، وبما ان الشباب لديهم حب الاطلاع المقرون بقلة الخبرة وضعف الخلفية الثقافية فإن المعلومات ووسائل الاقناع التي يتلقونها من تلك المصادر تصبح في نظرهم صحيحة ومؤكدة خصوصا في غياب من يحاورونه ويبين لهم الخطأ من الصواب.
وبالتالي يصبح بعض الشباب صيدا بل نهبا سهلا لمنظمات الارهاب مثل داعش ومنظمات الجريمة المنظمة التي تمتهن القتل والسرقة وتهريب المخدرات وترويجها خصوصا في ضوء غياب البرامج الايجابية المضادة التي تتخذ من التنوير والتوعية والتثقيف والمبادرة بالهجوم المضاد المعزز بالحقائق والردود المفحمة وسيلة لتفنيد اراجيف وترهات الاعداء ومن يدعمهم.
لذلك فإن السلاح الاول لمقارعة تلك المنظمات ورد كيدها في نحرها هو التفوق عليها ثقافيا وفكريا واستخدام وسائل التقنية الحديثة مثل الانترنت ومشتقاته كوسيلة لصالح تنوير وتوعية وتثقيف وإقناع الشباب بمختلف توجهاتهم وهواياتهم ووسائل جذبهم.
ويدخل ضمن ذلك استثمار جميع الامور الدعوية والفنية والترويحية والاستثمارية والعملية والتطوعية وهذا يعني ان العمل على ايجاد وانشاء جبهة حرب مضادة على صفحات الانترنت اصبح ذا اولوية قصوى على ان تتم الاستعانة بالمختصين من جميع الفئات القادرة على المشاركة بصورة ايجابية بشرط ان يكون لكل منها باع في المجال الذي يوكل اليها العمل فيه ويعزز ذلك من خلال التوسع بالبرامج المختلفة التي تقضي على وقت الفراغ لدى الشباب كل في مجال اهتمامه ليس هذا وحسب بل يجب على تلك المراكز القيام بعدد من المهمات التنويرية التي يأتي في مقدمتها اعطاء جرعات في تعميق الوسطية ونشر الوعي والولاء للوطن والبراء من اعدائه ومساندة ذلك بإعطاء جرعات بأساليب التفكير الايجابي الذي يحصن الفرد ويحميه من ان يكون امعة يتبع كل ناعق وهذا بدوره يحميه من الانقياد خلف أعداء الامة ممن كلامه ناعم وافعاله قاتلة مثل داعش واخواتها.
إن الدعاة واساتذة الجامعات والمعلمين والمثقفين والكتاب سوف يظل جهدهم الفردي او الجماعي محدودا اذا ظلوا يستخدمون الاساليب العتيقة في مخاطبة الشباب ذلك ان تلك الوسائل اكل عليها الدهر وشرب واصبحت من اساليب الماضي ما يجعل صداها وتأثيرها الايجابي يقتصران على الكبار اما الشباب فقد اصبحوا مشغولين عنها بما يناسب عصرهم من وسائل وادوات سواء أكانت انترنت ومشتقاته ام فضائيات تضرب على وتر الاثارة التي تعتبر من اهم وسائل جذب الشباب ولهذا يجب الوصول اليهم من خلال ما يوصل اليهم.
نعم لكل عصر ادواته ووسائله ومتغيراته ومتطلباته بالنسبة لكل الفئات والاعمار الا انه لفئة الشباب اخص واعمق؛ ولهذا لابد لنا ان نفتح عقولنا وأعيننا على مخرجات ومدخلات التقنية بجميع انواعها وان نستخدمها في الامور الايجابية ببراعة واتقان ونوجد من الوسائل والطرق ما يجعل الاستخدام الايجابي لها جذابا ومرغوبا ومحببا.
الشباب مكون طاقة خلاقة له عالمه الخاص ولهذا لا بد من استثمارهم فيما يعود عليهم وعلى وطنهم وامنهم بالنفع وعليه يجب ان نفهمهم نفسيا وثقافيا وفكريا وان نتفهم متطلباتهم وتوجهاتهم وبالتالي لا بد أن نعمل على توفير كل الوسائل والطرق التي تضمن شغل اوقاتهم بالمفيد بدنيا او فكريا او ماديا او فنيا وهذا يعني استثمار وقت الشباب بالمفيد على اي وجه ايجابي كان وذلك من خلال:
- القضاء على وقت الفراغ من طريق توفير وسائل الاستفادة من وقت الفراغ مثل الاندية الرياضية والمراكز الثقافية ومراكز الترفيه المختلفة ووسائل الجذب السياحي والعمل التطوعي والرحلات المبرمجة وغيرها من الوسائل التي تنعكس ايجابيا على كل من يطرقها مدعومة ببرامج توعية مناسبة على ان يتم تعميم المناسب منها على جميع الاحياء حتى يسهل عليهم الوصول اليها واستخدامها.
وفي هذا الصدد لا بد من الاستفادة من الوسائل والاساليب المتبعة في الدول المتقدمة للتعامل مع الشباب وبما يتناسب مع ثوابتنا.
- العمل وبأسرع وقت على الحد من البطالة بكل الاساليب والسبل فالشباب والفراغ وقلة ما في اليد مهلكة تجعل الشباب في مهب الريح وخصوصا غير المحصن منهم فكريا وثقافيا حيث ان الحاجة احد اسباب الوقوع في المحظور من خلال اغرائه بأساليب ووسائل مختلفة بما في ذلك المادية حتى يتم توريطه وبعد التوريط يصبح الشاب ليس له من امره شيء سوى التمادي في الخطأ والاذعان للاوامر الارهابية لانه لا يستطيع التراجع حتى وإن اراد.
هناك من الشباب من لديه حب الاستكشاف او المغامرة وهذا النوع من النشاط اذا لم يهيأ له السبيل الى ممارسته وجد طريقه اليه بالممارسة خارج نطاق القانون والنظام واتخذ من منظمات الارهاب والانترنت دليله ومرشده وابسط الامثلة على حب المغامرة لدينا التفحيط والسرعة وغيرهما من الممارسات غير السوية ولذلك لا بد من ايجاد ميادين ومواقع خاصة لممارسة الهوايات. ناهيك عن ان متابعة افلام العنف وحروب البلي ستيشن تعتبر من وسائل التحريض على العنف والحث على ممارسته فهي قد تكون من الشرارات الاولى في مسيرة العنف ناهيك عن التغطيات الاعلامية غير السوية والفتاوى المفخخة والحماس غير المنضبط أليس يوجد في العالم مرتزقة يذهبون الى مواقع الفتن من اجل المال او الشهرة او تلبية لرغبة داخلية في ممارسة العنف والقتل او البحث عن دور مفقود او الانخداع بدعاية مضللة، ولهذا يجعل كل واحد منهم حياته على كف عفريت دون التقيد بأية اخلاق او ضوابط؟
وعليه اقول ربما يوجد من بعض شبابنا من قد ينساق خلف ذلك كما هو حادث فيمن انضم للمنظمات الارهابية وفجر نفسه وقتل الآخرين في المساجد والحسينيات واستهداف رجال الامن وغيرهم.
نعم داعش في حراكها الاعلامي مدعومة من قبل جهات محترفة في مجال استخدام التقنية في المجالات السلبية مثل التغرير وقلب الحقائق وتلفيق التهم وتضخيم السلبيات وتحجيم الايجابيات او طمسها، فهي تضرب على الجزء الفارغ من الكأس حتى لو كان محدودا وهي في سبيل ذلك تعد لهم البرامج والوسائل الجذابة والمغريات والاعلانات والدعاية التي تضرب على وتر ميول بعض الشباب ورغباته ولهذا لا بد من نزع ذلك السلاح من ايديهم من خلال استعمال تلك الوسائل بصورة ايجابية في الرد عليهم على ان يقوم على تلك الوسائل جهابذة قادرون على المنافسة ورد الهجوم السلبي بهجوم ايجابي اقوى منه وأنجع.
إن الدعاة واساتذة الجامعات والمعلمين والمثقفين والكتاب لا زالوا محدودي القدرة متبايني الاتجاهات تنقص كثير منهم القدرة على ايصال المعلومة الموثقة عبر وسائل التقنية الحديثة ناهيك عن ان العمل من خلال الافراد يتداخل ويتعارض ويتناقض اذا لم يوجد من يوحد الجهود ناهيك عن سهولة التشويش عليها من خلال الانترنت والفضائيات واصحاب الهوى والفتوى المفخخة وهذا يعني انه لا بد من ايجاد هيئة او مركز توجيه موحد يوفر المعلومة المنقحة ويوفر الوسيلة المناسبة ويعمل على تعميم ما يريد الداعية او الاستاذ او المعلم او المثقف او الكاتب ايصاله من معلومة على كل المستويات وباستخدام الوسائل المناسبة.
ان تعاون الاعلام بجميع وسائله العادية والالكترونية من صحف واذاعة وفضائيات وانترنت وفروعها مثل وسائل التواصل الاجتماعي مع كل من الدعاة واساتذة الجامعات والمعلمين والمثقفين والكتاب والمدارس والاسرة والمساجد على اختلاف مشاربهم وتباين طروحاتهم وكذلك مع الجهات الامنية المعنية سوف يوحد المجهود ويوضح الرؤية ويسهل المهمة عند التخاطب مع الشباب على اختلاف توجهاتهم حيث يجب ان تتم مخاطبة كل فئة بالاسلوب الذي تفهمه ويناسب توجهاتها اي ان عملية التنوير الفكري تكون متعددة المصادر والتوجهات والمشارب وتلبي رغبات اطياف متعددة ومتباينة في التفكير.
إن نزع فتيل التحريض له اولوية قصوى واعني بذلك العمل على ايجاد حلول دائمة لكل المسائل والوقائع التي يمكن ان تتخذ وسيلة للتحريض وفي مقدمة ذلك البطالة والفساد وازمة الاسكان وغيرها من الارهاصات التي لا يخلو مجتمع منها الا ان النسب متباينة وتتفاوت من مجتمع الى آخر.
لا بد من اجراء دراسات عميقة ومفصلة على كل من انضم الى الارهاب وتم القضاء عليه او تم ضبطه او فجر نفسه او لا يزال طليقا بحيث تغطي تلك الدراسة جميع الجوانب بما في ذلك النوازع والمسببات المختلفة التي دعت مثل هؤلاء للانخراط بصفوف الارهاب بالاضافة إلى تغطية وسائل استقطابهم واقناعهم والتغرير بهم ناهيك عن اسباب توريطهم واسباب عدم قدرتهم على التراجع.
ليس هذا وحسب بل ان دراسة خلفياتهم النفسية والتربوية والاجتماعية وتوجهاتهم الفكرية وغيرها كل ذلك سوف يسهل عملية المواجهة والاقناع والتصدي لتلك الظاهرة بإذن الله اذا وضعت مثل تلك الدراسات في متناول الجميع.
لا زلنا نواجه حرب الارهاب بالوسائل الامنية بصورة رئيسية وعلى الرغم من تفوق تلك الوسائل وقدرتها الفائقة على السبق والاحباط والتعامل والتفوق والمباغتة والسرعة وهو الامر الذي جعل المواطن مطمئنا والامن مستتبا والارهاب يندحر والعدو يقهر الا ان ذلك يحتاج الى مؤازرته بأساليب فكرية مساندة وموازية بما في ذلك عملية المناصحة فالمواجهة الامنية لها دور الحسم والردع، والمواجهة الفكرية لها دور في التوعية والتنوير بحيث يصبح كل شاب وكل مواطن رجلا كان او امرأة عنصر أمن مخلصا يحذر ان يمر الارهاب من خلاله او من خلال اسرته او من جواره فلكل منهم دور في التوعية ودور في التبليغ ودور في الارشاد ودور في الشجب والاستنكار وهذه جميعا مطلوبة لأن دحر الارهاب مسؤولية الجميع ويصب في مصلحة الفرد والمجتمع والدولة ككل.
وضع جوائز قيمة لكل من يدلي بمعلومات تكشف عمن تورط في الارهاب او من هو في طريقه للتورط فيه او اخفى او احتضن او دعم او يدعم بأية وسيلة كانت المنظمات الارهابية سواء أكانت داعش ام غيرها ناهيك عن تشجيع كل من غرر به على التراجع وتسليم نفسه ومكافئأه عند تقديمه لمعلومات اكيدة وموثقة عن المتورطين الاخرين وعن التنظيم ووسائله ومخططاته واهدافه واماكن تواجد الموالين له ومخابئهم.
ان الجوائز عصا سحرية تفعل فعلها الايجابي فهي تجعل الارهابي في حالة قلق وشك حتى من قبل رفاقه كما انها وسيلة تحميس للكل للحصول على قصب السبق على ان يؤخذ بعين الحسبان احتمالية الاتهامات الكيدية وهذه يمكن تلافيها بتوضيح ان عقوبة من يرتكب تلك الحماقة سوف يلقى عقابا شديدا كما ان ذلك يردع غيره عن فعل ذلك. والله المستعان
التعليقات