سمير عطا الله

تتشابه العدميات مثل تشابه العدم، مثل حلكة الظلام، مثل تشرين، مثل هز الرؤوس أمام الكاميرا، مثل إحراق البشر في أقفاص لا يقوون على الهرب منها. العدم له اسم واحد وصيغ كثيرة، يعيش في الموت ويزدهر في القتل ويلف نفسه بالأسود. ووراء العدميين وأمامهم هدف واحد، العدم.


أي تفسير أو تحليل أو دراسة هو مضيعة للوقت. الذين دخلوا على مسرح باريسي أمس ليقتلوا الناس، دخلوا قبل أعوام على مسرح للأطفال في موسكو. «الفكر» الذي خطط لغزوة نيويورك، خطط لغزوة باريس. الانتحاري الذي قتل الناس في بيروت قبل يومين هو الانتحاري الذي تلذذ بقتل الناس في باريس قبل أن يبلغ نشوته الأخيرة؛ مقتله فوق أجساد ضحاياه.


كانوا يسمونها في الماضي ثقافة الموت، وهي في الحقيقة حضارة العدم. قتلة المسرح الباريسي لم يكتفوا بالرشقة الأولى، بل لقموا رشاشاتهم مرة ثانية، على مرأى من ضحاياهم. هُزموا على جبهة سنجار فبحثوا عن الانتصار بين أناس ذاهبين إلى المسرح، أرقى فنون الحوار منذ الإغريق. رمز المجادلات الفكرية. أوسع آفاق النقاش.


هم، جاءوا يجرون خلفهم شيئًا واحدًا، العدم. اشتروا بطاقات لحضور قتل ضحاياهم. ذلك هو المسرح الوحيد الذي يعرفه التطرف ويتفنن في أشكاله. أناس يذبحون جماعيًا على الشاطئ، وآخرون في الصحراء. هذا هو الفكر الذي تعرضه «داعش» على مواطني الدولة ومعهم مواطنو العالم. بعد أكثر من عام، تحرك الطيران الأميركي ليساعد البيشمركة. أما الطيران الروسي فلا يزال يقصف المعارضة الأخرى، باعتبار أن ثمة وقتًا لقصف «داعش». وبدلاً من أن يرد بوتين على «داعش» في مأساة الطائرة، رد على مصر، ومنع طيرانها المدني من التحليق في أجواء روسيا. ولا يزال يعطي كل يوم تصريحًا ينقضه في اليوم التالي. وإذا لم يفعل، تولى ذلك وزيره لافروف. وما زالت سوريا ضائعة على أعتاب المؤتمرات في انتظار أن يتفق «الضمير العالمي» و«الأسرة الدولية» على طاولة لها أرجل.
وبينما يحتدم النقاش، ظهرت «داعش» في باريس على جبهات كثيرة ذات لون واحد، لون الدماء والقتل والعدم.
&