&خلف الحربي


في أحد الأفلام القديمة لعادل إمام ينظر لابنه -المولود للتو- من زوجته التي كانت تقيم حفلات صاخبة لرجال الأعمال والمتنفذين فيقول له: (عيونك عيون سامح بيه.. ومناخيرك مناخير مراد بيه.. وشعرك شعر الدكتور عبدالفتاح) أو شيئا من هذا القبيل، والذي يعيد هذا المشهد الفاضح للذاكرة هو تبادل دول العالم الاتهامات بخصوص دعم تنظيم داعش، والتي كان آخرها تبادل الاتهامات بين الرئيسين التركي والروسي بعد إسقاط الأتراك لطائرة عسكرية روسية، حيث نشرت روسيا صورا لابن الرئيس التركي مع أشخاص قالت إنهم من زعماء داعش، بينما اتهم الرئيس التركي الروس بأنهم يحاربون مع الأسد الذي يدعم داعش ويشتري النفط منهم.

إيران وأتباعها من العرب الخائبة أيضا يتهمون السعودية وكل السلفيين في هذا العالم -إن لم يكن كل السنة- أنهم تكفيريون ويدعمون تنظيم داعش ويستندون إلى استخدام التنظيم خطابا سلفيا مقاربا في بعض تفاصيله للخطاب السلفي، والعرب السنة في الاتجاه المقابل يتهمون إيران بالوقوف بشكل أو بآخر خلف هذا التنظيم لأنه ضرب كل مكان في العالم باستثناء إيران، كما أن نتائج عملياته الدموية دائما ما تأتي لصالح السياسة الإيرانية، وكذلك يأتي نظام بشار الأسد في مقدمة المتهمين لاعتبارات كثيرة أهمها أنه دعم الدفعات الأولى لتهريب هؤلاء المقاتلين إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي بشهادة المالكي نفسه، وثانيها أنه وجد في هذا التنظيم الإرهابي مبررا كاذبا لارتكاب مجازر بحق المدنيين في سوريا، وثالثها أن عناصر التنظيم في سوريا تهاجم غالبا قوات المعارضة السورية وتترك قوات النظام.


العراق أيضا لا يمكن إبعاده عن دائرة الاتهام باعتبار أن التنظيم انطلق من أرضه وكذلك لأن حكومة المالكي الطائفية أرادت قمع المعارضة السلمية في مناطق معينة فلم تجد أفضل من اتهام المعارضة كلها بأنها دواعش لتبرر قصفها بالطائرات، هذا بخلاف الهروب المريب الغريب العجيب للجيش العراقي من الموصل لصالح تنظيم داعش، أما الولايات المتحدة فهي من أكبر المتهمين بنشوء هذا التنظيم بعد احتلالها العراق، ولا يمكن استبعاد إسرائيل باعتبارها المستفيد الأكبر من حالة التمزق التي سببها التنظيم في العالمين العربي والإسلامي وكذلك بسبب تشويهه المبرمج لصورة الإسلام في العالم، وثمة أصوات تتهم عواصم خليجية ودولا أخرى بالوقوف وراء هذا التنظيم، حتى في داخل أوساط التيارات الإسلامية نفسها هناك من يتهم السلفيين بأنهم المرجعية الفكرية لداعش بينما يبرئهم الكثيرون وينسبون مثل هذه الحركات والتنظيمات لفكر داعش.
باختصار الجميع يتبرؤون من داعش ويتهمون الجميع بالوقوف وراءه.. وهو ينمو بفضل تضارب المصالح وتداخل الأفكار وتصادم خطط رجال المخابرات.. الجميع يرون بوضوح الشر الكامن وراء هذا التنظيم الأسود ولكنهم يواجهونه بنصف ذراع ويراقبونه بنصف عين لأنهم يدخرون طاقتهم الحقيقية لمصالحهم على الأرض!.